جاء قرار خادم الحرمين الشريفين بقصر الفتوى على هيئة كبار العلماء ومن في حكمهم في وقت يمس الحاجة إليه، خاصة مع ما تشهده البلاد في الآونة الأخيرة من توسع في الفتوى من كل طالب علم دون اعتبار لمسؤولية الفتوى وعظم شأنها، فقد وضع -حفظه الله- الأسس التي تبنى عليها الفتوى من حيث مصدرها وهو العلم الشرعي ممن يوثق بعلمه وقد توفرت فيه عوامل أهلية الإفتاء. كلنا يعلم ما يدور في الساحة مؤخراً من تضارب الفتوى في مسائل مهمة تتعلق بمصلحة الأمة وتمس عقيدة المسلم، ومثل هذه الفتاوى ينبغي ألا تصدر إلا من رجال الفتوى المؤهلين الذين لهم باع طويل في العلم الشرعي وتحملوا مسؤوليتها أمام الله، لأن المفتي هو موقع عن رب العالمين فلا يقول على الله بغير علم. وهذا القرار الحكيم سيحد من التهاون بالفتوى ومن تضارب الأقوال التي تحدث الفوضى وتورث الفتنة بين الخاصة والعامة، وما يحصل في القنوات الفضائية من فتاوى على الهواء من كل منتسب للعلم الشرعي خير شاهد على ذلك، حتى أصبحت مجالاً للتنافس لا فرق بينها وبين البرامج الأخرى. لقد أدرك خادم الحرمين الشريفين -وفقه الله- خطورة هذا الأمر فبادر بإصدار هذا القرار الحكيم حفاظاً على ثوابت هذه البلاد وأعز ما لديها وهو دينها الذي هو عصمة أمرها، وحتى يرتدع كل متهاون بأمر الفتوى ويقف عند حدوده، وكذلك حفاظاً على سمعة بلاد الحرمين وعلمائها الأجلاء المشهود لهم بالفضل والريادة، فليس من المصلحة التوسع في إصدار الفتاوى، وإنما المصلحة في التثبت من صحتها وربطها بمرجعيتها الدينية وهي هيئة كبار العلماء. لقد أثلج هذا القرار صدورنا، فهو محل فخر واعتزاز، كيف لا، وهو من رجل الحكمة والرأي السديد خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز وفقه الله ورعاه وسدد على درب الخير خطاه.