حينما لا نجد من يستوعب وجعنا.. من يمسح دماء آلامنا.. من يربت على كتف الهموم قائلاً لها: أن استكيني، واهدئي، وتناقصي شيئاً فشيئاً... حينما لا نجد من يقابل ألفنا بألف مماثلة... وياءنا بياء أخرى.. فيرتطم عتابنا بجدار الصمت، ويرتد باتجاهنا صرخة تزلزل الكيان.. حينما لا نجد ذلك... نستند على جدار الوحدة المكانية، أو الروحية والنفسية، ونندب حظنا العاثر باستهزاء بليد.. وصدى المادة الأولى في قانون الحياة يقول: (إن مصير الإنسان إنما هو خلاصة تسلسلات حمقاء.. لا غير). لتكتشف كم أنت أحمق وإن أقرّ بالذكاء معالمك.. تضاريسك.. نظراتك.. لفتاتك!! وما جدوى الذكاء في جو مشحون بالتوتر..، بالتقلصات النفسية... بالضغوط الحياتية المتواترة.. بالترلات المزاجية حينما تأبى الرقي.. وتقاطع العلو. تظل سنوات تعطي... وتعطي.. وتعطي... بإخلاص، ونشاط، وتؤدة.. وما إن يتوقف بك القطار حذو ناصية محطة «ما» للتزوّد بالوقود حتى يصم سمعك نعيق الغربان: (دع عنك الكسل.. وواصل المسير.. وإلا...!) وماذا عن ما سبق من عطاء لي...؟ (وما شأننا بما سبق ونحن نعيش في زمننا الحالي) ليقطع القطار ما تبقى له من مشوار وأنت في جوفه تهتز مع اهتزازه.. وتذعن لصرير احتكاكه.. فليس من حقك التذمر، أو الاعتراض.. إن لم تسلّم.. وتذعن... فعليك تحمّل تبعات خروجك، وإن بدت للوهلة الأولى حائرة.. لا تغرنك عبارة (خالد) بطل رواية «ذاكرة الجسد» لأحلام مستغانمي في شخص زياد: (احترمت فيه شجاعة الأشجار ووحدتها، في زمن كانت فيه الأقلام سنابل تنحني أمام أول ريح). قال هذه العبارة.. لأن زياداً طلب منه طباعة ديوانه فرفض لوجود ملاحظات وأراد منه أن يحذف بعض القصائد... فأجاب زياد وهو محدق بذراع (خالد) المبتورة (لا تبتر قصائدي.. سيدي رد لي ديواني. سأطبعه في بيروت) بترت لنا أشياء تفوق القصائد أهمية فهل لنا بزياد مستنسخ يرجعها إلينا؟!! إذاً فما قولك فيمن بتر 16 شخصاً من شجرة عائلة طفل يدعى «علي إسماعيل عباس» ثم توجه صوبه باتراً ذراعيه، وأصابه بحروق شديدة في البطن تسببت في التهابات قد تخضعه لعملية إزالة الجلد، وبعد ذلك لعملية ترقيع الجلد. هل لأنه فقد كامل عائلته، برأي العدو أن لا حاجة له بذارعين، فلن يحتضن بهما «بعد الآن» فرداً منهم!! أو ماذا ترون..؟ ربما وُجِدَ للطفل العراقي «علي إسماعيل عباس» من استوعب وجعه الجسدي فتكفَّل بعلاجه طبياً.. لكن من بمقدوره استيعاب وجع ترسب في سويداء قلبه.. في جوفه... وجع تساقط وريقات شجرة عائلته ورقة.. ورقة، ثم سحقت وظل.. ظل.. ظل وحده يتجرَّع مرارة سحقهم في ضياع ذراعين يذكّرانه بهم.. من سيقابل ألفه بألف مماثلة.. وياءه بياء أخرى.. من!! P.O.Box: 10919 - Dammam 31443 [email protected]