كان الصراع في فلسطين مع عدو مشترك.. ومحتل غاصب.. تجمع على فعائله السوداء جل شعوب المسلمين والعرب.. وثلة من العجم.. حتى حين ليس ببعيد.. يوم زرعت الفتنة أطنابها بين الأشقاء.. ومضى كل منهم إلى غايته.. في فراق مشين.. وخصام غير مبين.. وخيانة للعهد والميثاق على بطحاء مكةالمكرمة.. أو هكذا قرأه عامة الناس.. فماذا عسى «كل الناس» أن يفعلوا من أجلك يا فلسطين.. اليوم.. والدعوة لمناصرة فلسطين تتجدد من منبر الحرم المكي الشريف.. عادت بي الذاكرة إلى يوم أن كنت صبياً أستمع إلى المذياع يبث في إحدى مناسبات اليوم الوطني كلمة للراحل الكبير الملك عبد العزيز طيَّب الله ثراه.. وما زلت أتذكّر مما قاله: «كان الله في عونك يا فلسطين».. نعم.. تلك دعوة دعوناها بالأمس.. وندعوها اليوم.. ويبدو أننا سندعوها في قابل الأيام.. «قضية» ليست ككل القضايا.. ممتدة هي في التاريخ الإنساني كله.. وعميقة هي في ذاكرة المسلمين.. ومتوارثة هي جيلاً بعد جيل.. ومستعصية على جل الحلول.. ومرشحة بذلك كما يبدو.. لعقود قادمة من الويلات والنكبات.. فكان الله في عونك يا فلسطين. لقد ألقت تداعيات العقد الأخير بأثقالها على كثير مما تحقق للقضية داخلياً وعربياً، وأحسب أن انقسام الداخل قد ولّد انقساماً في ولاءاته وبراءاته خارج حدوده، وهو الأمر الذي يستدعي وقفة خاصة لتجديد آليات المناصرة وفق المتغيّرات الجغرافية والسياسية في الواقع الفلسطيني المعاصر. ومن هنا، تتقدّم، كما يبدو، أولويات العمل الإعلامي والاتصالي المهني عالي الكفاءة، للقيام بوظائف «معالجة» إشكالات القضية الفلسطينية، عوضاً عن الاقتصار على «التغطيات» الإخبارية محدودة الجدوى الإستراتيجية. هي دعوة إذاً، لتكتلاتنا الإعلامية الإسلامية والعربية، ووسائلنا الرسمية، أن توجه جزءاً من ساعات البث ومساحات النشر، ل»معالجة» تداعيات الانقسام الداخلي في الواقع الفلسطيني، من محاور من أهمها: أولاً: على مستوى الإنتاج، يحسن تقديم أعمال درامية وبرامج حوارية، وتسجيلية، ووثائقية، وبرامج منوعات للشباب والأطفال، لتعريف الجيل الناشئ بحقيقة القضية، ولتوعيته بأهمية مناصرتها بكل الأساليب والوسائل المشروعة. ثانياً: على مستوى الجمهور المستهدف، هناك ثلاثة أنواع مهمة من الجمهور: جمهور الداخل الفلسطيني الذي يبدو أن جيله الناشئ يواجه إشكالية فهم القضية من منظورها العربي والإسلامي مع تناقضات الولاءات التي يراها ويعيشها، وجمهور الناشئين من أبناء المسلمين والعرب، الذين يبدو أن وسائط الإعلام المعاصر قد ألهتهم عن كثير من قضاياهم المصيرية، فهذا الجمهور يحتاج من يذكّره بالقضية ويبيّن له حقوق وواجبات المناصرة المشروعة. أما الجمهور الثالث، فهو الجمهور الغربي، فيبدو أن آلة الإعلام الغربي قد عملت ولا تزال تعمل بكفاءة عالية لتجعل «الجلاَّد» مكان «الضحية»، وأحسب أنها قد نجحت بدرجة عالية، في بناء تلك الصورة عن اليهودي المسكين المغلوب على أمره في مواجهة همجية واعتداءات الفلسطينيين المتكررة!! ثالثاً: في تطوّر نوعي لمناصرة القضية على المستويين الإسلامي والعربي، أظن أن الوقت قد حان لمساهمة مؤسسات المجتمع المدني في واجب المناصرة، بعد أن قدمت المؤسسة الرسمية جهوداً كبيرة في هذا المجال، فلعل المدنيين من المسلمين والعرب يضيفون إضافات مهمة لكفاح الرسميين على مر العقود. تحية لقيادة المملكة لمناصرتها الدائمة للقضية، وتحية لخطيب الحرم المكي الشريف لتقلّده مهمة التوعية بجوانب مهمة في صراعنا مع المحتل، وتحية أخوية لبرنامج «من منبر الحرم» الذي تقدمه قناة الإخبارية، على وقفاته المسئولة في فضائنا الفكري والثقافي. [email protected]