في المعرض الدولي للتعليم العالي كان الحضور لافتا بكل المقايس، لم يكن حضورا سياحيا، أو من أجل استهلاك وقت فراغ، بل وجدته جادا جدا ومنفتحا، والاجتماعات والحوارات التي تتم بالقرب من أجنحة الجامعات مستمرة طوال ساعات المعرض وبكثافة لم يسبق للعارضين الدوليين أنفسهم أن وجدوها في المنطقة أو حتى في مشاركاتهم الدولية، وسجل المعرض رقما قياسيا في يومه الأول بخمسة عشر ألف زائر، وفي الأيام التالية وحتى يوم الجمعة الأخير كان الآلاف مشغولين بالحصول على المعلومات، والفرص التعليمية المتاحة في الداخل والخارج. قبل افتتاح المعرض بأسبوع أعلن الملك عبدالله بن عبدالعزيز عن تحمل الدولة لخمسين في المئة من رسوم الدراسة في الجامعات الاهلية محليا، وقبلها - أيضاً -، كان الملك قد أعلن عبر وزارة التعليم العالي تمديد برنامج خادم الحرمين للابتعاث الخارجي خمس سنوات أخرى، وهو البرنامج الذي يضم اليوم سبعين ألف مبتعث الى أكثر من عشرين دولة، وهو رقم سيتصاعد خلال الفترة القادمة ومن المتوقع أن يتضاعف خلال العامين القادمين. وفي جناح جامعة الملك عبدالله للعلوم كان الحضور لافتا لناحية فهم هذه المنارة العلمية واكتشاف الفرص التى تقدمها في مشهد التعليم الجديد، والمعرض شمل جامعات سعودية جديدة عدة (قد) لا نعرفها جميعا بشكل جيد، لكنها تتكاثر بشكل لافت، وتعرض لمجسمات حديثة لمنشآتها الجديدة، أضف إلى ذلك أجنحة الجامعات الأهلية في المملكة، ومؤسسات وجامعات تعنى بالتعليم الالكتروني عن بعد. هذه مشاهد من تظاهرة تعليمية كبرى تكشف بوضوح أننا نعيش عصر طفرة وتحديث في التعليم بمستوياته، تأتي بعد سنوات عدة رشد فيها برامج الابتعاث إلى الحد الادني، وتوقف التعليم العالي عن النمو أفقيا ورأسيا في فترة سابقة، بل وصلت الصعوبة فيه إلى الحصول على مقعد للدراسة، الأمر الذي قاد الآن إلى أزمة كبيرة في الإدارة الحكومية والخاصة، تمثلت في تآكل الطبقة الإدراية والتنفيذية الوسطى، وغياب الكفاءات في هذه الشريحة. يقابله نقص في وجود استراتيجية فعالة لخلق ثقافة تنمي قيمة العمل وترفعه إلى منزلة أعلى من التقدير، الأمر الذي قاد هو الآخر إلى ضعف التأهيل والحضور في الوظائف والمهن ذات المستوى دون المتوسط. لكن إذا أضفنا إلى المشاهد الجديدة برنامج خادم الحرمين لتطوير التعليم العام، والذي يحتاج إلى تسريع خطواته وتفعيل طموحاته، فإننا ولا شك نقترب إلى صورة أكثر إشراقا لرؤية (عبدالله بن عبدالعزيز) لمستقبل التعليم وتنميته في كل المستويات، وهي رؤية كانت حاضرة وملهمة لأهم تجمع دولي للتعليم العالي. إلى لقاء.