إدارة الأزمات في زمن الأزمات إستراتيجية سياسية إدارية محكمة متخصصة في مواجهة الأزمات التي تواجه الدول والمجتمعات الإنسانية منذ أن عرف الإنسان معنى السياسة سواء على مستوى السياسة الفردية أو الذاتية، مرورا بالسياسة الداخلية أو المحلية، وإلى أن بلغ ممارسة مستوى السياسات الإقليمية والدولية. المصطلح وإن كان جديدا في مسماه إلا أنه قديم في ممارساته خصوصا في متون العلاقات الدولية وفي عرين السياسات الدولية التي تمثل في مجملها عوامل متغيرة يصعب التكهن بها ناهيك عن توقع أحداثها وتطوراتها وتحولاتها الخطيرة التي تشكل تهديدا مباشرا للدول وللمجتمعات الإنسانية فيما لو بلغت مستوى الحرب الشاملة خصوصا بين الدول العظمى التي تعد المستوى الأعلى لمستويات الصراع الدولي. فإدارة الأزمات تعني مجمل الوسائل والأساليب والأطر والمؤسسات المعنية بصناعة القرارات السياسية العقلانية السريعة (العاقلة والرشيدة) لمواجهة المخاطر والتحديات والتطورات الإقليمية والدولية الخطيرة في وقت قصير بهدف منع تأثيراتها ومخرجاتها السلبية على أمن واستقرار الدولة، أو الدول، أو بالطبع المجتمع الدولي. ولكون الحرب الشاملة بمعناها الواسع (أي الحرب بين الدول العظمى) لم تعد وسيلة أو خيارا من وسائل وخيارات العلاقات الدولية بعد قيام حالة «توازن الرعب النووي»، باتت الأزمات الإقليمية والدولية الطبيعية أو المفتعلة الوسيلة أو الخيار الأكثر استخداما في العلاقات الدولية خصوصا بين الدول العظمى التي ألغت خيار الحرب الشاملة وأحلت محله خيارات أخرى منها: الحروب المحدودة، الحروب العميلة أو الحروب بالوكالة، حروب التحرير الوطنية، والحروب الهامشية، وحروب الأدغال. تلكم في مجملها خارج نطاق الحرب الشاملة بين الدول العظمى النووية، لذا باتت تعد في العرف الدولي من الحروب المسموح بها طالما لم تهدد الأمن القومي ولا المصالح القومية للدول العظمى. من هنا ارتبطت دبلوماسية إدارة الأزمات بتفاهم إستراتيجي أساسي وعميق بين الدول العظمى حول حقائق وغايات وأهداف العلاقات الدولية في عصر الرعب النووي من جهة، ومن الجهة الأخرى ضرورة الالتزام المتبادل بين الدول العظمى بعدم الإخلال بموازين القوى العسكرية أو الاقتصادية أو الإضرار بمصالحها الإستراتيجية القومية. لذا باتت الأزمات وطرق وأساليب إدارتها الوسيلة الأكثر استخداما من قبل الدول العظمى للضغط على بعضها بعضا، أو للضغط على بعض من حلفائها، أو كأداة للخروج من بعض قواعد اللعبة الدولية، أو تغييرها، باللجوء إلى تفعيل مؤثرات الأزمات الاقليمية أو الدولية وتوظيفها لخدمة مصالحها الإستراتيجية. الأمر الذي تطلب إيجاد مؤسسات سياسية وإدارية داخل الدول تعمل ضمن مخططات وقواعد وأسس مدروسة لتأمين عمليات صناعة واتخاذ قرارات سياسية سريعة على أعلى مستوى بآلية مركزية توظف المعلومات الدقيقة التي تضمن تحقيق أعلى منفعة ممكنة بأقل تكلفة ممكنة أو على الأقل الخروج من الأزمة بأقل تكلفة ممكنة. بيد أن إدارة الأزمات من المفترض ألا تتعامل مع الأزمة بعد وقوعها وحسب، وإنما يتوجب على المعنيين بها التخطيط المسبق لمنع وقوع الأزمة كوسيلة استباقية أو احترازية، ناهيك عن ضرورة قدرة مؤسسة إدارة الأزمات على التعامل مع توابع وبقايا الأزمة بعد وقوعها. إذا فإن دبلوماسية إدارة الأزمات تتطلب اتخاذ الإجراءات والخطوات الكفيلة بتأمين القدرة الكاملة على معالجة الأزمة قبل نشوبها، ومن ثم في حال نشوبها، وأخيرا بعد وقوعها. على سبيل المثال لا الحصر واجه العالم أزمات خطيرة متواصلة منذ أزمة حصار برلين في عام 1948م، ومن ثم أزمة الصواريخ الكوبية في عام 1962م، ومن بعدها أزمات إقليمية ودولية خطيرة خرجت منها اطراف الصراع بأوضاع ومكتسبات مختلفة غيرت في موازين القوى والعلاقات الإقليمية والدولية. لذا باتت إدارة الأزمات هدفا مستساغا للحديث والحوار ولربما الكتابة لكل من سمع عن مسمى المصطلح ومارس مجالا من مجالات العلوم الاجتماعية، أو العلوم المرافقة لها. وفي المقال القادم نناقش بعضا من الأزمات الإقليمية والدولية وطرق إدارتها.