ماذا يحقق الفنان خلال سنوات من ممارسته الفن التشكيلي؟ سؤال أجاب عليه بجدارة الفنان اللافت زهير طوله في معرضه الأخير «الإنسان حب»، الذي افتتحته الأميرة الجوهرة آل سعود، ويقام في الصالة العالمية للفنون الجميلة في جدة، واستحق لسنوات مثابرته وإخلاصه لتجربته جائزة السعفة الذهبية الأوروبية للفنون في بلجيكا وجوائز عالمية أخرى، وأكد طزاجة الموهبة وحداثة الأفكار في ال50 عملاً التي تعامل معها طوله باحترافية شديدة وباشتغال فني حذر. وجد الحضور الكبير في يوم الافتتاح موهبة نابهة تستشرف المستقبل وتراهن على مواكبة الحركة الفنية العالمية ومدارسها الفنية المختلفة، وتتعاطى مع الألوان بما يواكب الفكرة و الشكل للوصول إلى ذائقة المتلقي وإعطائه مساحة كبيرة من التأمل والاستمتاع. وكان لابد لطوله أن يعتكف على تطوير موهبته، بعيداً عن الأضواء والمؤسسات الثقافية والفنية ليخرج لنا هذه التجربة التي يراهن عليها في إقناع الآخرين بحداثة التجربة التشكيلية السعودية فيقول: «تعلمت من تجاربي السابقة معنى أن تحافظ على توازنك الفني، وان تقدم نفسك بما يواكب التجارب الفنية الرفيعة وان ترسم لنفسك طريقاً مستقلاً لا يعبره سواك حتى لا تبقى في دوامة التقليد والتكرار». هكذا إذاً وعى طوله مبكراً الاستقلال بنفسه، وأدرك ملياً أهمية المحافظة على اخضراره، والاعتداد بما يقدمه من دون النظر لما يطلبه الآخرون منه. و يعترف «كان لا بد من الانصياع للرغبة ذاتها بعيداً عن رغبات الآخرين وطلباتهم فما أريده ليس من الضروري يريده الآخرون لكن ما يهم هو رؤيتهم لما لم يروه من قبل في تجربتي الفنية». ولذا لم يكن مستغرباً أن تنطبع الدهشة والبهجة على وجوه الزوار الذين شاهدت أعينهم ما لم تره من قبل في لمساته مع الفرشاة واللون، واللعب على مسطحات الظل والضوء وملامح الوجوه البشرية بتعابيرها الإنسانية وطبيعتها الشرقية الحزينة، التي يعرفها العربي أكثر من غيره، واوجد لها رقعة كبيرة في اللوحة مع استثمار ذكي لبقية إطارها العام. وتحدث الناقد عبدالله مراد عن تجربة طوله الفنية فقال: زهير فنان تسكنه روح الطفل، فهو مشاكس وتظهر عواطفه وانفعالاته على سطوح أعماله بكل عفوية. وخطوطه قوية وجريئة يحدد بها معالم أشكاله التي هي شخوص عانت صروف الدهر وتقلباته قهراً وقمعاً وشهوات دفينة. انه يبالغ في تحوير الشكل الإنساني حتى ليبدو كذبيحة في مسلخ جراء الظلم المقيم والوجود الذي شوهته معالم القلق والآلام، وانعكست بيئته المشرقية بنغماتها الحزينة في تعاطيه مع الألوان والتي نجد فيها نكهة الصحراء وأهازيجها». فيما اعتبر التشكيلي نذير دبدوب تجربة طوله «بالذاكرة التي لا تنتهي والريشة التي لا تجف فهو يعلم تماماً كيف يختار التوقيت المناسب للطبيعة، التي تتجلى فيه الروحانية المكثفة بأقصى درجات سحرها وإبهارها، إذ ينسل من الضوء مختالاً بسرعته اللحظية، وتهم ذاكرته بالتقاط بعض من ملايين المشاهد، التي يخطف بعضها الأخر، ومركّزاً رؤيته على كل ما يراه أمامه من كائنات أو نباتات أو غير ذلك».