كانت الجرعة الأولى من مادة الهيروين كافية لإيقاع هبة (اسم مستعار) في فخ الإدمان ودوامة انتكاسات صحية لا تنتهي إلا بحصولها على جرعة من مادة المخدر كل أربع ساعات. ارتفاع في درجات الحرارة يرافقه إعياء وآلام جسدية غير محتملة... في لحظة «التكريزة» تصبح عودة هبة الى الوعي رهن حصولها على جرعتها. ومع عدم توافر المال الكافي لتأمين حاجتها اليومية أصبحت حياتها عبارة عن سلسلة عذابات لم تتمكن من إنهائها إلا بمساعدة متخصصين قدموا لها العلاج في «المركز الوطني لتأهيل المدمنين» في الأردن، والأهم أنه علاج مجاني. هبة ليست مراهقة طائشة بل هي شابة ثلاثينية متزوجة وأم لأربعة أطفال، أدمنت وزوجها على الهيروين. «الحياة» التقتها صدفة لحظة خروجها من المركز فسردت قصة تورطها وزوجها «لتكون عبرة لغيري». تقول: «كان لدي استعداد لتقليد زوجي الذي أدمن المخدرات قبلي من دون علمه، وذات يوم زارنا أحد أصدقاء، وكان زوجي مصاباً بالآم في الرأس. قدم له صديقه حبة تشبه في شكلها الدواء وبعد أن تناولها صار يمضي الأيام اللاحقة باحثاً عنها». حال العائلة تبدلت وأصبح وضعها المالي في مهب الريح، وفي اليوم الذي لا تتمكن فيه هبة وزوجها من تأمين مبلغ 100 دينار (140 دولاراً) ثمناً للجرعات، تتدهور صحتهما. لكن أحد الأصدقاء أرشدهما إلى المركز ليضعا حداً لمعاناة انعكست أيضاً على الأطفال. هبة دفعت أولاً بزوجها الى العلاج لئلا تترك الأطفال وحدهم. فهي لا تستطيع حتى إيداعهم لدى عائلتها التي إن علمت بتورطها بالإدمان لن تتوانى عن قتلها. وبعدما خرج الزوج دخلت هي باختيارها لتعود أكثر عزماً على صون صحتها وأبنائها وتعويضهم عما فاتهم من الاهتمام. قبل خروجها من المركز، استضافها المدير الدكتور جمال العناني وحذرها من الانجراف خلف رغبة إعادة التجربة وهي عادة «تنتاب غالبية من تعالجوا ويمكن تجاوزها بالإرداة القوية». ويقول العناني: «جاءت هبة بنفسها الى المركز وهو تابع لوزارة الصحة ولم تخضع للمسائلة القانونية. وهي تغادر وقد تعالجت بسرية تامة». ويوضح العناني أن «كل من يطرق باب المركز بقصد العلاج لا يتعرض لأي مسائلة قانونية، بل يتم التعامل مع الحالة بسرية ولا يتقاضى المركز أي أجور ما دام النزيل يحمل الرقم الوطني والجنسية الأردنية». أما عن الأجانب فيقول العناني إن «أجوراً رمزية تستوفى منهم لا تتجاوز 20 ديناراً (قرابة 30 دولاراً) لليلة الواحدة، في وقت تتحمل فيه وزارة الصحة تكاليف العلاج المقدرة ب 150 ديناراً (210 دولارات) لليلة». ويكفل قانون الصحة العامة وقانون المخدرات رقم 14 لعام 1988 وتعديلاته عدم تعرض المدمن للمسائلة، وجاء في نصه: «لا تقام دعوى الحق العام على من يتعاطى المواد المخدرة والمؤثرات العقلية، أو يدمن عليها إذا تقدم للعلاج وقبل أن يتم ضبطه من تلقاء نفسه، أو بواسطة أحد أقاربه الى المراكز المتخصصة التابعة لأي جهة رسمية، أو إدارة مكافحة المخدرات أو أي مركز أمني طالباً معالجته». وتعد فئة الشباب أكثر الفئات عرضة للإدمان بحسب العناني الذي يشير إلى أن «غالبيية المدمنين يحضرون انصياعاً لرغبة الأهل ويخضعون قبل إدخالهم إلى مقابلات أولية. في حال وُجدت مؤشرات إلى الإدمان، ينتقل الى مقابلة من نوع آخر تسمى «تحفيزية» لجعله يدرك أنه يعاني من مشكلة لا بد من علاجها». ويوضح العناني أن «خطة علاجية توضع لكل مريض على حدة، فمنهم من يفضل العلاج الداخلي أي أن يقيم في المركز وآخرون يفضلون معالجة أبنائهم في المنزل، وهو علاج خارجي لا يمكن الموافقة عليه إلا بعد أن يوقع ذوو المعني على ورقة تحملهم مسؤولية الالتزام بحصوله على العلاج بالكميات المحددة كي لا يُساء استخدامه». ولا تتجاوز فترة العلاج في المركز 6 أشهر، وأكثرها صعوبة على النزيل الأسبوعان الأولان، ففيهما يتم إزالة السمية وبمعنى آخر الفطام الكامل أو التدريجي عن المادة المتعاطاة. وتعالج خلال هذه الفترة الأعراض الانسحابية الجسدية والنفسية التي قد تظهر بسبب الفُطام بحسب البروتوكولات العلاجية العالمية». ويضيف العناني: «بعد إتمام المرحلة بنجاح يخضع المريض ل 4 أسابيع لجلسات للتأهيل النفسي والجسدي والروحي والعائلي يعقِدُها أختصاصيو إدمان بمساعدة كادر تمريضي مؤهل» . وتعتبر الجلسات النفسية الفردية والجماعية الهادفة الى منع الانتكاس وإطفاء المفطنات من وسائل ردع المريض عن العودة إلى تجربة الإدمان فضلاً عن جلسات تطوير المهارات الحياتية وضبط النفس ورفض التعاطي مجدداً. وبعد انتهاء الأشهر الستة ينبغي على المريض مراجعة المركز أسبوعياً، لمدة 6 أشهر أخرى للاطمئنان الى وضعه الصحي وضمان عدم عودته للدوامة نفسها، وهو أمر اختياري يقبل عليه المصرون على الخروج من المشكلة. وبلغ عدد الحالات التي تعامل معها المركز منذ افتتاحه في عام 2001 حوالى 2090 حالة تشتمل من تلقى العلاج الداخلي أو الخارجي لمختلف المواد المؤثرة عقلياً. ويُعرّف العناني الإدمان بأنه «نمط سلوكي يقوم على الاعتماد على المادة المؤثرة عقلياً ويكون مصحوباً برغبة داخلية شديدة وقهرية لتوفير هذه المادة وتعاطيها باستمرار مع احتمال كبير للرجوع إلى السلوك نفسه في حال الانقطاع عنه». وبحسب مدير ترخيص المهن والمؤسسات الصحية في وزارة الصحة الدكتور عزمي الحديدي، في الأردن 3 مراكز لعلاج المدمنين، اثنان تابعان للحكومة، وهما المركز الوطني لتأهيل المدمنين في منطقة شفا بدران، ومركز الإدمان في إدارة مكافحة المخدرات، وآخر خاص وهو مستشفى الرشيد. ويرى نائب المدير العام للشؤون الطبية في مركز مستشفى الرشيد للطب النفسي والإدمان الدكتور ناصر الشريقي أن «نسبة نجاح علاج الإدمان في الأردن تصل إلى 30 في المئة مقابل 15 في المئة عالمياً، والسبب يعود الى الروابط الاجتماعية والدعم الأسري في مجتمعاتنا» . وترتفع تكاليف العلاج في الرشيد لتتراوح بين «100 و300 دينار (140 – 425 دولاراً)، وتتناسب قيمة العلاج مع الخدمات الإضافية التي يقدمها المركز وتشمل العلاج الوظيفي والإقامة والبرامج والأنشطة الترفيهية والتعليمية والرياضية»، وفقاً للشريقي الذي يؤكد أن غالبية النزلاء من الدول العربية المجاورة. ويوضح الشريقي أن «أكثر فئات المدمنين تقع بين 20 و30 سنة وهؤلاء يراجعون المركز انصياعاً لرغبة الأهل، ومنهم من يحضر من تلقاء نفسه طلباً للعلاج، بعد أن يُوصِله الإدمان الى مشاكل مالية واجتماعية، فيما البعض يأتي تخوفاً من الوقوع بقبضة الأجهزة الأمنية أثناء التعاطي».