الأرجح أن خيار الكاتب رافي وهبي، بدء نص مسلسل «العراب - نادي الشرق» (2015) بالمناسبة ذاتها التي اختارها المخرج والشريك في السيناريو فرانسيس فورد كوبولا، لفيلمه (1972) عن رواية «العراب» لماريو بوزو (1969)، لم يكن مصادفةً، وأيضاً ليس تقليداً بل ضرورة درامية. يدلّ على ذلك، الاستهلال ب «الزفاف» والاستمرار به حلقات عدة، فهو الفضاء الأمثل لتقديم أفراد عائلة «المنذر» النافذة بسطوة كبيرها، «أبو عليا» (جمال سليمان) المسؤول الكبير في الدولة، و «قيصر» (باسم ياخور) إبنه الأكبر المتعطّش الى نفوذ أكثر، والأصغر «جاد» (باسل خياط) البعيد من «سلطة وفساد» العائلة الأصغر المحاطة بأدوات فسادها «أبناء العم». يستغلّ المخرج حاتم علي، بذكاء يواكبه طوال العمل، مشهداً بسيطاً لدبكة الأسرة في عرس ابنتها «جيدا»، ليبيّن الخصوصية التي تتمتع بها. «أبو عليا» وعائلته يرقصون بحلقة مقفلة، لا بصفٍّ مفتوح. لكنّ العمل السوري يفارق بعد ذلك محاكاة الجزء الأول من الفيلم، مستمراً بالاقتباس عن الرواية، عبر توطين داخل بنية العائلة وما يهدّدها داخلياً وخارجياً كامل الحبكة الدرامية، ولكن بإضافة أفراد أسّسوا لخطوط أصيلة وغير مفتعلة نشأت في «العرس»، مثل الإبنة الكبرى «عليا» (أمل بوشوشة) التي أحبّت في ماضيها رجل الأمن «أبو موسى» (ماهر صليبي) التابع للعائلة، وهرب الابنة «سوزان» (دانا مارديني)، وضياع «لونا» (ريم نصرالدين) الابنة الصغرى المصابة ب «الفصام الطفولي»، إلى جانب رسم ملامح كل شخصية أساسية بتفصيل دقيق، في هذه العائلة التي يخبّئ أفرادها خلف نفوذهم، عقداً شخصية كوجود «الجد الدرويش» و «الأخت المريضة»، ومصالح سلطة ومال حكمت حتى ارتباطات الزواج بتدبير من «أبو عليا» العقلاني غير المتهور، الذي «يحب الشطرنج ويكره البوكر». ولا ينتظر المسلسل الرمضاني كثيراً حتى يخرج من عباءة العمل الأصلي. بدايةً بموسيقاه الخاصة (إياد الريماوي)، ومتسلّحاً بلعبة الإسقاط المحلّي، بمنسوب سياسي عالٍ مرتبط بزمن وجغرافيا محدّدين، سورية على أعتاب الأزمة، في زمن صعود جيل جديد مقابل «الحرس القديم» وتغيّر مراكز القوى. لكن العمل تخلّى في زوايا عدة، عن العمق الرمزي الذي يرفع الدراما فوق المباشرة. ويبدو الأمر واضحاً بالربط مثلاً، بين مشهد الشيخ الذي عقد قران «جيدا» متحدثاً بلهجة أهل الساحل السوري، وأغنيات العرس، وأكلة الشنكليش التي تحضرها أخت «أبو عليا»، وبين أبيه الفقير و «غرام ابنته الكبرى برجل الأمن، حتى تكتمل الجملة المباشرة على لسان أحد رجال السلطة من طبقة «أبو عليا»، حين يقول إن أمثاله لا يتقاعدون ببساطة عندما ينتهي دورهم، كأنه يعيد مقولة أحد رجالات النظام القديم اللواء محمد ناصيف، إذ يُنسب إليه قول معروف: «أنتم اللبنانيين عندما تخرجون من الحكم تذهبون الى بيوتكم، أما نحن إذا خرجنا فلا نصل إلى بيوتنا». ويغوص النص أكثر في كيفية عمل مافيات الفساد في سورية، والتي تحتكر مصالح الدولة مثل التعهدات والمرفأ، وتسخّر الإعلام لسياساتها، لكنها تبتعد من «الخطوط الحمر السياسية والاقتصادية»، محافظة على المباشرة الحادة التي يفقهها معظم السوريين. يقول «أبو عليا» في الحلقة 12: «هذا النفط مو تبعنا، تبع ناس تانيين». ولا تلغي هذه المباشرة وجود البعد الرمزي، مثلاً شخصية «لونا». تؤديها ب «صمت صارخ» وبراعة، الممثلة ريم نصرالدين التي تؤكد في اتصال مع «الحياة»، حرصها على استشارة اختصاصية في حالة «لونا» ل «تحديد ملامح الشخصية وسلوكها». هي تحتاج الى الاهتمام الإنساني وليس العملي المادي، تبدأ حالتها بالتدهور بسبب معاملة العائلة التي لا تعيرها انتباهاً وتبقيها خارج حساباتها، إلى أن تهرب فجأة متفلّتةً من كل الضوابط الأمنية المشدّدة، وهي قادرة على الضرب والعنف لحماية من تحب. تقول أمها (سمر سامي): «لونا عطشانة، رايحة تشرب وترجع». يبدو السؤال مشروعاً حول الشبه بين مسار «لونا» وصرخة قسم من الشعب السوري عام 2011. ولعلّ أكثر ما يميز «نادي الشرق»، مشاهد أداها الممثلون بإقناع تام، حتى في الأدوار الثانوية، فيما تميّز في هذا الإطار كلّ من جمال سليمان مثبتاً بصمته في الدراما السورية، وباسم ياخور الذي أكّد صواب انتقاله من «العرّاب» الآخر، في حين قدّمت أمل بوشوشة آداءً جميلاً، ولكن من دون أي إضافة الى ما يمكن أن تقدّمه ممثلة سورية جيدة في عمل سوري، إذا ما استثنينا دوافع التسويق. ومن غير شك، ساعد تدفّق الأحداث المشوّقة في كل حلقة الممثلين، فلا شعور بالرتابة التي تسبق الذروة، على رغم الوقوع في بعد السقطات. مثلاً، من غير المقنع أن تسافر الهاربة «سوزان» من سورية إلى لبنان ومن ثم إلى أبو ظبي، من غير أن يعرف «أبو عليا» النافذ في الدوائر الحكومية، بينما ابنته نفسها تعرف أين حبيبها من خلال الدوائر الأمنية بفضل اسم أبيها. إلى ذلك، يأخذ بعضهم على العمل، اعتماده على الترف والفخامة، ويبدو المأخذ ساذجاً، فذلك مبرّر درامياً إلى أقصى حدّ ممكن بسبب الطبقة التي يتناولها العمل، إضافة إلى خط عائلة «نورس» (حاتم علي) المستند جغرافياً الى البيئة الفقيرة والعشوائيات، فلا يحاسب العمل ضمن موجة «الإبهار البصري» في هذا الموسم.