توحي وحدة التفعيلة في ديوان «سارد الغوايات» للشاعر ياسر حجازي على تفعيلة واحدة هي (فعلن) بوحدة الديوان بأكمله من جهة موسيقاه الداخلية. وفي حين يحرص الشاعر على حداثة الصياغة وانتقاء المفردات والصور الشعرية، إلاّ أنّه يحافظ دائماً على موسيقية شعره كبناء جرسي متعمد، يتخلى فيه عن النّثر بمفهومه السردي ليجيء سرداً شعرياً موزوناً، يبدو جليّاً من عنوان الديوان؛ الذي اختاره عن يقين وإصرار، فسارد الغوايات عِوضاً عن «شاعر الغوايات» على سبيل المثال، وكأنه يومئ للقارئ بأنه أمام سرديّة شعريّة جريئة، طرَقَتْ أبواباً عدة موصدة: (دَعْ حِرْصَكَ فِي الدَّرَكِ الأَدنَى، تَحتَ بلاطِ الخَوْفِ، فَلَستَ علَى حَالِكَ أهلاً لبلادٍ ضَائِعَةٍ فِي السِّلْمِ، وَأَنتَ تُجَادِلُ مِنْ أَلِفٍ وإلَى يَاءْ). يضم الديوان (المؤسسة العربية للدراسات والنشر) ثلاثة عشر نصاً مستوحى من حياة الشاعر، حملت نصوصه المسرودة عناوين تُعرّف بغوايات مختلفة هي على التوالي: غواية الورد،غواية الأم، غواية امرأة القلب، غواية الصّبر، غواية الاسم، غواية الحكايات، غواية الدّم، غواية الشّوك، غواية القلب، غواية النحل، غواية الشِّعر، غوايات أبي، وانتهت بخاتم الغوايات. فغواية الوردة، مبتدأ الغوايات، ومنطلق السرد والاختيار: «ليسَ سِوَى الوَردَةِ غَاوِيةٌ، ليسَ سِوَى الوَردَةِ شَاهِدَةٌ أَنّكَ هذَا المُخْتَارُ». ويُلمّحُ الشاعر كيف استجاب لأمر الورد وغواياته؛ «السَّاعَةُ لا تَبدُو اليومَ كمَا دَارَتْ بالأَمسِ، فمَاذَا أَعْدَدْتَ مِنَ الأَورَاقِ إِذَا سَأَلَتْكَ عُيُونُ صِغَارِكَ عَنْ وَسْمِ أَبِيْكَ؟ وعَنْ لَوْنِ سِلاحٍ فِضِّيٍّ كَانَ يُجَاورُ مَخْدَعهُ ليلاً؟ وفي «خاتم الغوايات» يقول عن الورد ووفاء الحِبر: هذا حِبْرِي حَبْرِي، لَم يَخْذِلْنِي اليومَ وبَاحَ، وأَسرَفَ فيهِ البَوْحُ ماذَا الآنَ؟ يقُولُ الفَوْحُ هذَا غَيْبٌ في اللحظَةِ، وما كُنتَ لِتَدْرِي أَنَّ الوردَ اخْتَارَكَ كي يُلقِي بُرْدَتَهُ الحمراءَ على كَتِفَيكَ. وهكذا تنتهي كلّ غواية من غوايات الديوان بعبارة شعريّة لها قافية واحدة، عبارات عن الورد وعطره، كأنّ هذه النهايات قافية تخصّ كلّ الديوان. فمثلاً في نهاية «غواية الأم» تأتي العبارة الشعرية التالية: «الوَرْدَةُ أُمٌّ / عِطْرُ الوَرْدَةِ أَبْنَاءٌ وَبَنَاتْ «، وفي نهاية «غواية النحل»: «الوَرْدَةُ إيْمَانٌ/عِطْرُ الوَرْدَةِ شَكٌّ وَمَتَاهَاتْ». لكن شعرية الجمل القصيرة التي يتقصاها حجازي في بعض القصائد يمكن أن يُستشفّ منها حضور رُوحَ صوفيٍّة بلغة متبتلة توائم بين حداثة خاصة وتراثية متلونة، وفي قصائد أخرى يُلمْح معالم سرديّة متسارعة، إن صح الوصف، غنيّة بصورها الرامية الى الذكريات والأسئلة الصعبة. فعلى حدّ تعبيره «بأسئلة صعبة» لا يجد لها إجابات في «غواية الأم : أَغْوَانِي اللبُنُّ فِطَاماً بعدَ حَليبِ المَهْدِ.