أصدرت محكمة الرصافة في بغداد أحكاماً بإعدام 11 متهماً دينوا بتهمة «التخطيط والتنفيذ والتمويل» للتفجيرات الدامية التي استهدفت وزارتي الخارجية والمال في بغداد في 19 آب (أغسطس) الماضي ما أسفر عن مقتل نحو مئة شخص وإصابة مئات آخرين، وأعلنت ان اعترافات بعض المتهمين تؤكد ارتباطهم بجهات إقليمية كانوا يتلقون الدعم منها. وأكد الناطق باسم مجلس القضاء الأعلى القاضي عبدالستار البيرقدار في اتصال مع «الحياة» ان «محكمة استئناف الرصافة أعلنت اليوم (أمس) أحكامها الخاصة بالمتهمين ممن ثبت تورطهم بتفجيرات وزارتي الخارجية والمال في آب الماضي». وأكد ان «محاكمة علنية توافرت فيها كافة الضمانات القانونية للمتهمين أصدرت حكماً بالإعدام شنقاً ضد 11 مجرماً دينوا بالتنفيذ والتخطيط والتمويل لحادث تفجير وزارتي الخارجية والمال». وأشار الى ان «الأحكام التي أصدرها قاضي المحكمة استندت الى الأدلة التي تم جمعها ومطابقتها والجرم الذي ارتكبوه ما أفضى إلى تجريم المتهمين وعددهم 11 وفق المادة 4\1 من قانون مكافحة الإرهاب المعدل رقم 13 لسنة 2005». ولفت الى أن «الأحكام الصادرة يصار الى تنفيذها بعد 30 يوماً من النطق بها ما لم يعاد النظر بها من قبل محكمة التمييز بناء على طلب هيئة الدفاع عن المتهمين». وقال البيرقدار ان «كل المتهمين عراقيون، منهم مخططون ومنفذون وممولون» رافضاً إعطاء اي تفاصيل عن الجهات التي مولتهم او الجهات التي ينتمون اليها. وقال «نحن كقضاء لا علاقة لنا بمثل هذه التفاصيل. وتعاملنا مع جريمة توافرت فيها كل الأدلة وتم تهيئة كافة الضمانات القانونية لهم». ونقلت وكالة «فرانس بريس» عن القاضي علي عبدالستار رئيس محكمة جنايات الرصافة، شرق دجلة، ان «المحكمة قضت بالإعدام شنقاً حتى الموت على 11 بتهمة التخطيط لتدبير هجمات 19 آب الماضي». وأضاف ان «الأحكام قابلة للتمييز ضمن مهلة شهر من صدورها». من جهته أكد مصدر في محكمة الرصافة في تصريح الى «الحياة» ان «الأحكام التي صدرت غير قابلة للطعن كونها استندت الى أدلة ثبوتية تتطابق تماماً والجرم الذي ارتكبه المتهمون الى جانب ان الاعترافات التي أدلى بها المتهمون موثقة بشكل لا يتيح أدنى مجال للشك». وأضاف «وإذا اريد الطعن او تخفيف الحكم فلا بد لفريق الدفاع عن المتهمين من تهيئة أدلة وبراهين من شأنها ان تغير مسار القضية». وزاد ان «التحقيقات مع بعض المحكومين ما زالت مستمرة كونهم متورطين بتفجيرات أخرى، وذلك تنفيذاً لأوامر مرجعياتهم التي تتخذ من بعض الدول المجاورة ملاذاً لها». ولفت الى ان «الجهات الحكومية المختصة بملف الإرهاب اطلعت على نتائج التحقيقات وهي الوحيدة التي لها صلاحيات التصريح بمثل تلك المعلومات» محذراً من ان «تسريب اي معلومة بهذا الصدد سيضر حتماً بالتحقيقات الجارية». ارتباطات إقليمية وأشار رئيس محكمة استئناف بغداد الرصافة في بغداد القاضي جعفر محسن في تصريحات صحافية الى ان «المتهمين اعترفوا بأن لهم ارتباطات بجهات اقليمية وكانوا يتلقون دعماً من الخارج بحسب إفاداتهم». ونقلت «فرانس بريس» عن مصدر قضائي ان «احد المدانين، وهو سالم عبد جاسم، اعترف خلال التحقيق بتلقي الأموال من ضابط عراقي رفيع يقطن في سورية يدعى اللواء نبيل عبدالرحمن»، من دون مزيد من التفاصيل. وتابع ان أبرز المدانين هو إسحاق محمد عباس من «خريجي بوكا» في إشارة الى المعتقل الأميركي الذي أغلق أبوابه في جنوب العراق في ايلول (سبتمبر) الماضي. وتؤكد مصادر امنية عراقية ان معتقل بوكا «شكل مدرسة للتكفيريين والإرهابيين الذين عملوا على غسل أدمغة البسطاء لإقناعهم بأفكارهم». وتقول مصادر معنية بالتحقيقات ان «إسحاق عباس شارك في معارك الفلوجة الأولى والثانية عام 2004، ومعارك في الموصل، كما تنقل بين الرمادي وتكريت. أما شقيقه مصطفى عباس فهو من أمراء تنظيم القاعدة وكان في بوكا كذلك». وأوضحت ان «نسيبهم المدعو صدام حسين يستخدم ثلاثة اسماء مستعارة». اما «فراس عبدالله فتحي وعاصم مازن حسين فهم من الموصل، وكانوا يتنقلون بين الدورة والموصل والرمادي والفلوجة وبغداد، وكان لديهم مساكن في بغداد» بحسب المصادر التي أشارت الى ان «هؤلاء خططوا للعملية، بينما اقتصرت أدوار الآخرين على نقل وشراء الشاحنات». وأكدت المصادر «شراء الشاحنات التي استخدمت في العملية من الدورة وتكريت، ونقلها الى الموصل حيث أجري تحويرها وتصنيع أحواض خفية للمتفجرات، ومن ثم نقلها الى مرأب في منطقة العامرية في غرب بغداد قبل نقلها الى الدورة في جنوب بغداد ليتم تفخيخها». وأضافت المصادر ان «الشاحنات انطلقت من الدورة يوم التنفيذ». وعن كيفية خروجها من الدورة وعدم كشفها من قبل الحواجز، قالت المصادر الأمنية ان «ذلك مرده الإهمال، وليس هناك أي تواطؤ، إذا لم نتأكد من ذلك. وتم اعتقال آمر لواء الدورة وآمر الفوج ومدير استخباراتها وسيحالون قريباً الى المحاكمة بتهمة التقصير». يشار الى ان هذه المحاكمة، التي بدأت الشهر الماضي وعقدت جلستها الثالثة أمس، هي الأولى لمتهمين بالمشاركة في هذه التفجيرات الدامية التي أسفرت عن مقتل نحو مئة، بينهم أربعون ديبلوماسياً من وزارة الخارجية و12 من وزارة المال، وإصابة المئات بجروح، وأدت الى أضرار بالغة بالمبنيين، فضلاً عن تدمير عشرات المباني المجاورة وأحد الجسور الحيوية. وتعرضت بغداد بعد تفجيرات آب التي استهدفت وزارتي الخارجية والمالية، الى سلسلتين من التفجيرات الدامية، الأولى في 25 تشرين الاول (اكتوبر) الماضي حيث تعرضت وزارة العدل ومبنى المحافظة في بغداد لتفجيرين انتحاريين بواسطة شاحنتين فأوقعا أكثر من 155 قتيلاً ومئات الجرحى. وفي 8 كانون الأول (ديسمبر) الماضي تعرضت بغداد الى هجمات انتحارية دامية استهدفت مبنى آخر لوزارة المال ومقر محكمة ناحية الكرخ، غرب دجلة، وأماكن أخرى أوقعت حوالى 127 قتيلاً ومئتي جريح. ووجهت أطراف سياسية وحزبية وشعبية اتهامات وانتقادات شديدة اللهجة الى القوات الأمنية العراقية والقيادات الميدانية متهمة إياها بالإهمال. واتهمت بعض الأطراف عناصر أمنية بالتورط بهذه التفجيرات عن طريق تسهيل وصولها الى اماكن تخضع لحراسة أمنية مشددة على الدوام وتقع على مقربة من المنطقة الخضراء في بغداد والتي تضم مقرات الحكومة العراقية والعديد من سفارات الدول الأجنبية. وتم تشكيل لجان تحقيق من قبل الحكومة لمعرفة الجهات التي تقف خلف تلك العمليات، كما تم في منتصف الشهر الماضي، بعد موجة التفجيرات الثالثة، استدعاء رئيس الوزراء والوزراء الأمنيين وكبار القادة العسكريين أمام البرلمان لشرح ملابسات التفجيرات، وأعدت لجنة الدفاع والأمن البرلمانية تقريراً تضمن توصيات قدم الى البرلمان على ان يتم لاحقاً صياغة التوصيات بقوانين. وتسببت التفجيرات بأزمة سياسية بين العراق وسورية، إذ اتهمت الحكومة العراقية «حزب البعث» المنحل بالوقوف وراء الهجمات الدامية، مشيرة بأصابع الاتهام أيضاً الى دمشق بايواء قادة بعثيين عراقيين سابقين يمولون ويخططون للتفجيرات، وطلبت رسمياً من الأممالمتحدة إرسال مبعوث للتحقيق بها، لكن دمشق رفضت الاتهامات بشدة. واستدعى العراق سفيره من سورية التي ردت باستدعاء سفيرها من بغداد. الى ذلك، استبعد عضو لجنة الأمن والدفاع النائب الكردي فرياد راوندزي في تصريح الى «الحياة» ان تؤثر الأحكام التي أصدرتها محكمة الرصافة بحق المتورطين على طبيعة العلاقات المتأزمة بين العراق وسورية. وقال ان «صدور أحكام الإعدام بحق منفذي التفجيرات لا يؤثر حتماً في طبيعة علاقتنا المتوترة مع سورية كونها مصرة على إبقاء وإيواء القيادات البعثية المتورطة بأعمال العنف على اراضيها».