مشهد واحد ينتظر واحدنا في كل شارع من شوارع الولاياتالمتحدة، وفي أسواقها، ومطاراتها. شاب في العاشرة من العمر يسير مع والده. ويبدو أن نمو الوالد توقف منذ كان في سن ولده. فملابسه هي نسخة عن ملابس ابنه. فهو ينتعل حذاء رياضياً، وتي شيرت، وبنطلون جينز. وإذا رافقت الزوجة زوجها وابنها، فالأرجح أن تكون اختارت ارتداء ما يحاكي ثياب الإبن والزوج، ولف جسمها بقماش دنيم القطني. ويحسب دانيل اكست (انظر المقال الى اليمين) أنه أماط اللثام عن اساءة الأميركيين استخدام الحرية، وتقديمهم بنطلون الجينز على غيره من الأزياء، وتصويرهم أثرياء وادي السيليكون في صورة ثوارٍ قضيتُهم الوحيدة هي ارتداء الجينز في العروض الافتتاحية. ولكن أكست يغفل جانباً جوهرياً في موضة الجينز. والحق أن الجينز هو زي طفولي منتشر في أمة تصور الراشد طفلاً في مسلسلاتها التلفزيونية، على غرار «ساينفيلد»، و»تو اند إ هلف مان» (رجلان ونصف رجل)، وتنتج رسوماً متحركة خاصة بالراشدين. و75 في المئة من لاعبي العاب الفيديو الأميركيين هم راشدون يتمتعون بحق التصويت. والأطفال وآباؤهم الصبيانيون، وهم يرتدون أزياء تضعف الفروق العمرية والاجتماعية بين جيلهم وجيل ابنائهم، هم جمهور أفلام لليافعين على غرار «باتمن» (الرجل الوطواط) وانديانا جونس. وجمهور الجينز هو من مريدي سلك ديموقراطي يرفع لواء « لا أحد يرتدي أزياء افضل من الأزياء الأكثر قذارة». والإعلان أن المظاهر مهمة هو في مثابة الوقوع في خطيئة انكار مبدأ عام وجامع يذهب الى أن لا فضل لمظهر على آخر، ويدين نخبوية التمييز بين ذوق جميل وذوق قبيح مذموم. والجينز هو زي يعلن أن صاحبه لا يأبه بالمظاهر. ولكن المظاهر في الحياة العامة هي قرائن اجتماعية تظهر احترام الشخص جمهوره، وتعرّف من يقدم نفسه اليهم. ولا يجوز أن نلوم ليفي شتراوس على سوء استخدام جينز ليفايس. فيوم بدأت طفرة الذهب، انتقل ليفي الى سان فرانسيسكو ليبيع قماشاً متيناً خاصاً بالخيم وغطاء المستوعبات. وعدل عن هدفه، وصنّع سراويل متينة أزرارها نحاسية مخصصة للرجال الأشداء الذين ينحنون فوق الوحول، وينقبون عن الذهب في منحدرات شمال كاليفورنيا الصخرية. وارتداء رجال اليوم الجينز المخصص للأعمال الشاقة استعداداً لحمل حقيبة الرياضة من السيارة، قريب من البلاهة. ولو قيض لإدموند بورك، السياسي والفيلسوف (1729-1797) الإرلندي، ابداء الرأي في الجينز، لقال انه مزق نسيج الحياة اللائقة. واعترف أن في خزانة ملابسي بنطلون جينز لبسته مرة واحدة. واضطررت الى ذلك. فهو اللباس الرسمي في حفل ميلاد السناتور السابق جاك دانورث السبعين. عن «واشنطن بوست» الأميركية، 16/4/2009، إعداد م. ن.