أصدرت محكمة الجنايات بالبليدة، غرب العاصمة الجزائرية، اليوم (الثلثاء) حكماً بالسجن 18 سنة بحق رجل الأعمال عبد المؤمن رفيق خليفة الذي لم يف بوعده بكشف معلومات عن مسؤولين سياسيين متورطين في أكبر فضيحة مالية عرفتها الجزائر. كما حكم القاضي منور عنتر على صاحب مجموعة الخليفة بغرامة مليون دينار (10 آلاف يورو) ومصادرة جميع أملاكه بتهم "تشكيل جماعة أشرار والسرقة والتزوير واستعمال وثائق مزورة". وكانت النيابة طالبت في السابع من حزيران (يونيو) الجاري، إثر أكثر من شهر من محاكمة الاستئناف، بفرض عقوبة السجن مدى الحياة بحق المتهم الرئيس في قضية "بنك الخليفة"، أي نفس عقوبة المحاكمة الأولى التي جرت في العام 2007 غيابياً. وتأسس بنك الخليفة في العام 1997، وأفلس في العام 2003، متسبباً في خسائر تقدر بما بين 1.5 و5 بلايين دولار للدولة وللمساهمين. وبدأت محاكمة الاستئناف في الرابع من أيار (مايو) الماضي، بحضور 71 متهما، منهم عبد المومن خليفة، بعد تسليمه من قبل السلطات البريطانية في نهاية العام 2013، حيث كان لجأ هرباً من الملاحقة القضائية منذ العام 2003. ووصفت الصحف الجزائرية القضية ب "محاكمة القرن"، خصوصا أن عبد المومن خليفة وعد بكشف معلومات عن مسؤولين سياسيين خلال المحاكمة، في حين اكتفى بإنكار كل التهم الموجهة إليه، مؤكدا أنه لم يترك مصرفه في حالة إفلاس، وأنه غادر الجزائر في العام 2003 لتجنب "الفوضى"، من دون مزيد من التوضيح. وكان رجل الأعمال صرح وهو في منفاه في لندن أنه غادر الجزائر لعدم وثوقه بالقضاء في هذا البلد، وأكد أنه ترك شركات مجمع الخليفة "ناجحة وغير مفلسة بتاتا"، قبل مغادرته الجزائر بما فيها بنك الخليفة. وعلى عكس ذلك، فإن التحقيقات أثبتت وجود ثغرة مالية بقيمة 3.2 بلايين دينار جزائري على مستوى الخزينة الرئيسة للبنك، أي ما يعادل 32 مليون يورو، وهي قيمة الفيلا الفخمة التي اشتراها في عاصمة السينما العالمية كان. وبالنسبة للمحكمة، فإن خليفة مدان بتهم تكوين جمعية "أشرار" والسرقة المقترنة بظروف التعدد، والنصب والاحتيال، وخيانة الامانة، وتزوير محررات مصرفية. وبعد ثمانية أيام من المداولات، نطق القاضي رئيس الجلسة بأحكام السجن ضد 18 متهما، منهم من سبق أن قضى عقوبته منذ المحاكمة الأولى في العام 2007، إضافة إلى 53 حكما بالبراءة. وبالإضافة إلى المتهم الرئيس، نطق القاضي بالسجن عشر سنوات ضد المدير العام لبنك الخليفة وشركة "الخليفة للطيران" في فرنسا. كما حكم بالسجن خمس سنوات ضد الموثق (كاتب العدل) الذي حرر عقد تأسيس بنك الخليفة الذي تحول إلى مجمع يعمل في مجالات عدة منها النقل الجوي والإعلام. وعند النطق بالحكم، فاجأ عبد المومن رفيق خليفة الحضور بحفاظه على هدوئه وابتسامته. وذكر النائب العام أن عبد المومن خليفة مالك مجمع الخليفة استخدم مصرفه "ليس من أجل الاستثمار، ولكن من أجل سرقة أموال المودعين" الذين غرتهم نسب الفائدة المرتفعة التي بلغت 13 في المئة. وكانت الشركات الحكومية من أكبر المودعين لدى بنك الخليفة، ما تسبب في خسارة كبيرة للخزينة العمومية. وبحسب المصفي القضائي للبنك منصف بادسي، فإن الجزائر تجنبت "كارثة وطنية بعدم إيداع مجمع "سوناطراك" 400 بليون دينار جزائري (أربعة بلايين يورو) ببنك الخليفة". ورغم الضجة الكبيرة التي أثيرت حول القضية منذ 12 سنة، إلا أن المحاكمة لم تكشف عن معلومات جديدة غير تلك الموجودة في الملف الأول. وبحسب رئيس الجمعية الجزائرية لمكافحة الفساد، فإن "السلطة نجحت في دفن ملف قضية خليفة نهائياً بعدما كان يشكل ثقلا كبيرا عليها في السنوات السابقة". وأضاف "هذه المحاكمة التي استمرت لمدة طويلة أثبتت أنه لا يوجد في الجزائر قضاء مستقل ونزيه".