لم تكن بداية العام الجديد 2010 مبشرة في مصر، ففي الأسبوع الأول منه حدثت قصة «شريان الحياة» بكل ما فيها من أحداث تدعو إلى الأسى والأسف، وما أفرزته من نتائج بالغة السوء على مختلف الأصعدة، وقبل أن تهدأ الضجة حول «الشريان» عاجلتنا «الجلطة» الطائفية في مدينة نجع حمادي، وما صاحبته من مشاهد دموية مقبضة وأرواح الأبرياء التي أزهقت واحتقان عاد ليطفو على السطح متحدياً مصالح الوطن وأمن أبنائه. حدث هذا وذاك في الأسبوع الأول من السنة الجديدة، وقبل أن تلتئم ذاكرة الناس جراء أحداث السنة الماضية التي تمنى الناس ألا تتكرر. اعتقد الناس في مصر أن أهم حدث سيكون السنة الجديدة سيتعلق بانتخابات مجلس الشعب التي ستجرى قبل نهاية العام بشهرين تقريباً على أساس أنها الانتخابات التي ستمهد للانتخابات الرئاسية المقررة في السنة التالية، إضافة إلى ما يطلقون عليه حراكاً سياسياً يفترض أن يجعل المنافسة في الانتخابات البرلمانية شديدة، لكنهم لم يحسبوا حساب ما سيبتليهم به القدر من أهوال رغم أن غالبية الأحداث والكوارث التي أحزنتهم في العام المنصرم كانت «قدرية»، زادها بالطبع الفساد والأخطاء التي أودت بحياة البسطاء و «الغلابة» أو تسببت في أضرار للمواطنين على المستوى المحلي أو عادت بالقضايا الوطنية على المستوى العربي سنوات إلى الوراء، كما الحال بالنسبة إلى القضية الفلسطينية. اللافت أن الأيام الأخيرة من عام 2009 شهدت انشغال الناس في مصر بما سمي ظاهرة «تجلي السيدة العذراء» وما رافقها من توافق بين المسلمين والمسيحيين، حيث كانت أعداد من أتباع الديانتين تقف كل ليلة أمام الكنائس لمتابعة الظاهرة أو التبرك بها، في حين عادت الأيام الأولى من العام الجديد بالاحتقان من جديد بغض النظر عن دوافع الجناة في حادثة نجع حمادي. ويكفي التجول بين مواقع الإنترنت، أو حتى متابعة ما تنشره الصحف المصرية، أو تبثه القنوات الفضائية، لنفهم الفارق بين المشاهد البروتوكولية، التي تجمع شيخ الأزهر الدكتور محمد سيد طنطاوي أو كبار المسؤولين في الجهاز التنفيذي للدولة من جهة، وبين البابا شنودة الثالث من جهة أخرى، والتي تحولت إلى مشاهد تقليدية اعتيادية يراها الناس في كل عيد للأقباط أو بعد وقوع حادثة طائفية، وبين التناول السياسي والإعلامي حوادث العنف والذي يعكس الرغبة الرسمية في التهدئة حتى ولو بإغفال بعض المعلومات أو تخفيف بعض الوقائع مقابل جهود للتصعيد بإطلاق معلومات غير صحيحة أو استخدام لهجة تصب الزيت على النار. ليس أمام الحكومة المصرية، إذا أرادت منع تكرار ما جرى في أزمة «شريان الحياة»، إلا اتباع أساليب أخرى للتعاطي مع قضية المساعدات المقدمة للفلسطينيين تضمن وصول المساعدات بسهولة ومن دون قيود أو الإخلال بالأمن القومي المصري أو التعدي على السيادة المصرية، وهي أعلنت عن آلية جديدة تقوم على تسليم المساعدات إلى الهلال الأحمر المصري الذي سيتكفل بنقلها إلى الفلسطينيين، لكن القرار أثار تساؤلات حول نوع المساعدات وحجمها وطرق وصولها إلى مصر والجهات الفلسطينية التي ستتسلمها. وعلى صعيد الفتنة الطائفية فإن المناخ الذي يساعد على تأجيج المشاعر وزيادة الاحتقان وبالتالي وقوع الحوادث لا بد من معالجته والقضاء عليه وتجفيف أسبابه، وعندها لن تؤثر حادثة هنا ضد الأقباط أو أخرى ضد بعض المسلمين في إشاعة المزيد من الفتنة. الملف القبطي في مصر مليء بالألغام التي يتحين نزع فتيلها من دون انتظار أوقات تفجيرها. عندها لن يردد المصريون المقولة الشهيرة التي كان أجدادهم أطلقوها حين شاهدوا نابليون وجيوشه يستخدمون المدافع التي لم يألفها المصريون من قبل عندما قالوا «يا خفي الألطاف نجنا مما نخاف». وما أكثر ما يُخيف إذا كانت هذه هي بداية القصيدة في السنة الجديدة!