سلطت حادثة وفاة فني سعودي حرقاً أثناء تأديته مهام عمله في شركة نفطية في محافظة رابغ (غرب السعودية) الضوء على ملفين شائكين، وفتحت مجال النقاش حول توافر قواعد وأساليب الأمن والسلامة في الشركات الصناعية تارة، وحول أزمة الأسرة في المستشفيات الحكومية تارة أخرى. وكان حريق اندلع في محطة معالجة المياه الصناعية في شركة نفطية في رابغ، امتدت إثره ألسنة اللهب لتلامس الغاز في تمازج أدى إلى انفجار هائل راح ضحيته الفني في الشركة حسين سليماني (22 عاماً)، بينما أصيب أحد زملائه بحروق بالغة، بدرجات متفاوتة في أجزاء عدة من جسده. وكشف والد المتوفى أسامة سليماني ل «الحياة» أن زملاء ابنه أكدوا محاولتهم إنقاذه بالاتصال بوحدة الإطفاء إلا أن «هاتفها كان معطلاً !»، وكذلك جرس الإنذار ، قبل أن يستعينوا بهاتف وحدة أخرى، «وابني لايزال يصارع آلام الحريق من دون أن يجد من ينقذه، عندها بادر زملاؤه إلى نقله بسياراتهم الخاصة إلى مستشفى رابغ العام، حيث عجز الكادر الطبي عن تطبيبه لخلو المستشفى من أبسط الحاجات الطبية من أجهزة حديثة وكوادر متخصصة، بل إن المستشفى يخلو من هاتف مباشر، ما أجبر إدارة المستشفى على إرسال فاكسات عدة إلى مستشفيات الملك فهد وآخر خاص في جدة والنور في مكةالمكرمة بتقرير عن الحالة ومدى خطورتها، إلا أن جميع تلك المستشفيات الحكومية والأهلية رفضت استقبال الحالة الحرجة بوثائق رسمية (حصلت «الحياة» على نسخة منها) وصلت إلى مستشفى رابغ العام، وظل ابني يصارع آلام جسده المحروق، بينما واصلنا إرسال الفاكسات أكثر من مرة نطلب موافقة أي مستشفى أو مستوصف على استقباله وتطبيبه، حتى عدل مستشفى النور في مكةالمكرمة عن قراره وقرر استقبال الحالة، لنفاجأ حينها برفض قاطع لطلب طائرة إخلاء طبي تنقله من رابغ إلى مكةالمكرمة، ما أجبرنا على الرضوخ لقرار نقله داخل سيارة إسعاف غير مكتملة التجهيز، تخلو من أجهزة الإنعاش وضربات القلب وكثير من مستلزمات نقل الحالات الحرجة، انطلقت بتثاقل بعد الخامسة فجراً». وزاد: «كانت ليلة طويلة وقاسية، ظل ابني المحترق يصارع آلامه أمام عيني، حرقت النيران قلبي ألف مرة قبل أن تصل إلى جسده، كان أنينه الذي سمعته طوال تلك الطريق الطويلة طعنات نهشت قلبي، لا زلت أذكر منظره حين سلم روحه إلى باريها وفارق الحياة ونحن في الطريق، من دون أن تفلح محاولات إنقاذه داخل تلك السيارة القديمة». وتساءل عن مدى علم وإدراك المستشفيات الحكومية لتعليمات «المقام السامي» الحاضة على قبول الحالات الحرجة، خصوصاً أنها رفضت استقبال ابنه الذي يعاني حروقاً من الدرجة الثالثة طالت 90 في المئة من جسده. وفيما حمّل والد الفني السعودي المتوفى وزارة الصحة والشركة النفطية مسؤولية وفاة ابنه، شدد على أن «التباطؤ الشديد» في التعاطي مع الحادثة والحالة أزهق روحاً بريئة. وطالب بكشف ملابسات الحريق الذي أودى بحياة ابنه، وتقديم المسؤولين عنه والمتسببين فيه إلى العدالة. إلى ذلك، كشف مصدر مطلع ل «الحياة» عن تسجيل الشركة ملاحظة تتعلق بتسريب الغاز في المحطة، «أبلغت الجهات المعنية، وشرحت لها مدى خطورته وما قد ينتج منه مستقبلاً، إلا أنها لم تؤد واجبها وأهملت إصلاحه». وتسبب إهمال البلاغ في انفجار هائل راح ضحيته فني قريب من جهاز المحطة، فيما أصيب مشرف ورديته بحروق. من جهة ثانية، باءت محاولات «الحياة» في الوصول إلى الشركة النفطية بالفشل، نظراً لعدم رد مسؤوليها على سلسلة الاتصالات المتكررة على هواتفهم الثابتة والمتحركة. وبدوره علق المدير العام لمديرية الدفاع المدني في محافظة جدة العميد عبدالله جداوي على قواعد الأمن والسلامة في الشركات الصناعية الكبرى وقال ل «الحياة»: «تخضع المنشآت الصناعية الكبيرة لمعايير قواعد الأمن والسلامة التابعة للهيئة العليا للأمن الصناعي، ويقتصر دور الدفاع المدني مع تلك الشركات على التنسيق لأمور المساندة في حوادث الحريق، إضافة إلى جزئية أخرى تتعلق بتحقيقات الحوادث إلا أن الوضع العام ينص على استناد مرجعية المنشآت الصناعية الكبيرة في مثل هذه الأمور إلى هيئة الأمن الصناعي».