باريس - أ ف ب - تتهم المدارس الكبرى في فرنسا التي تعتبر مفخرة التعليم العالي، بالانغلاق على النخبة وعدم فتح أبوابها أمام أبناء الطبقات المتوسطة أو الفقيرة، خصوصاً الشباب من أبناء المهاجرين. وبهدف تعزيز الانفتاح، أطلق الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي قبل نحو سنة خطة لتحسين المستوى الاجتماعي للأقليات حدد الهدف منها، في «زيادة المنح بنسبة 30 في المئة» في المدارس الكبرى. ويرتاد هذه المعاهد الجامعية التي يصعب الانتساب إليها في الأساس طلاب من الأوساط الاجتماعية والثقافية النخبوية، وهو امتياز متوارث غالباً من جيل الى جيل. وتخرّج أجيالاً من السياسيين وكبار موظفي الدولة والخبراء الاقتصاديين. في المقابل، تتراجع سمعة الجامعات الحكومية المتدنية الكلفة. ودعت وزيرة التعليم العالي والبحث فاليري بيكريس، المدارس النخبوية الى التحلي بالإرادة والانفتاح على هؤلاء الطلاب. لكن مؤتمر المدارس الكبرى الذي ضم غالبية المدارس المعروفة مثل مدرسة الفنون والعلوم الهندسية (ايكول بوليتكنيك) أو كلية إدارة الأعمال (أش أي سي) في نهاية كانون الأول (ديسمبر) أعلن معارضته عموماً لفكرة تخصيص حصة (كوتا)، مشدداً على ضرورة خضوع جميع المنتسبين لامتحانات الدخول ذاتها. واعتبر المؤتمر انه مع إقراره بضرورة «تقديم مساعدات فردية الى المرشحين الآتين من أوساط اجتماعية فقيرة، كي يتمكنوا من تجاوز اختبارات قد تبدو أكثر صعوبة بالنسبة إليهم، ذلك أن وضعهم العائلي لم يعدّهم لها(...) فإن اعتماد أي سياسة أخرى سيؤدي من دون شك الى تراجع في المستوى التعليمي». واعتبر البعض أن هذا الموقع ينم عن ممانعة في الانفتاح على الشباب الآتين من هذه الأوساط، خصوصاً أن الشريحة الكبرى بينهم من أبناء المهاجرين من المغرب وأفريقيا. وكتب رجل الأعمال فرانسوا بينو والاقتصادي المقرب من الاليزيه الان مينك أن موقف هذه المدارس أصابهما «بالغثيان»، في مقالة في صحيفة «لوموند». وعبر عن الاستياء عينه مفوض «التنوع وتكافؤ الفرص» رجل الأعمال الجزائري الأصل يزيد صباغ، وجمعية مناهضة العنصرية والتمييز «اس أو أس راسيسم». هذه الانتقادات دفعت تجمع المدارس الكبرى الى تحديد موقفها من الأمر قائلة: «نحن لا نرفض استقبال 30 في المئة من الحاصلين على منح عموماً داخل مدارسنا الكبرى، انما نرفض أن تستقبل كل مدرسة على حدة 30 في المئة من أصحاب المنح»، وفق ما أعلن الممثل العام بيار اليفا. إلا أن مدير معهد العلوم السياسية في باريس وهي المدرسة الكبرى الوحيدة التي فتحت أبوابها أمام طلاب الضواحي، يرفض هذا التفريق. وكانت الكلية مسرحاً لتظاهرات اجتماعية في العام 2005. وحذر ريشار ديكوان من أن ذلك «سيجعل لدينا مدارس كبرى للأثرياء فقط» لا تستقبل أصحاب المنح، ومدارس أقل مستوى تستقبل الكثير من أصحاب المنح. ويحذر باتريس كور، مدير ثانوية «هنري الرابع» الرسمية الذائعة الصيت من «الأثر السلبي» للحصص، مذكراً بما جرى «في الولاياتالمتحدة حين منعت المحكمة العليا قبل 10 سنوات التمييز الإيجابي، بعدما اشتكى الطلاب السود من عدم الاعتراف بشهاداتهم في سوق العمل». وللسنة الرابعة على التوالي، احتلت كلية إدارة الأعمال (HEC) المرتبة الأولى بين مدارس الاقتصاد الأوروبية، وفق تحقيق نشرته صحيفة «فايننشل تايمز». لكن فرنسا تبقى من بين الدول التي يتقرر فيها المستقبل التعليمي للفرد بناء على انتمائه الاجتماعي والمخزون الثقافي للعائلة التي ينتمي إليها، كما يرى عالمان اجتماعيان في كتاب «النخبوية الجمهورية».