في اسطنبول، احتدم النقاش بين مجموعة تحلّقت حول جلسة شاي في منطقة «فاتح»، قلعة المحافظين، حول نتائج الانتخابات النيابية في تركيا، ومستقبل السياسة الخارجية لهذا البلد. ليس بين الجالسين مواطن تركي واحد، هم مجموعة من اللاجئين السوريين الذين دفعتهم ظروف الحرب في وطنهم للهروب الى تركيا ففتحت لهم أبوابها وشاركتهم رزقها. وعلى رغم التطمينات التي يتلقّونها من أصدقائهم في حزب «العدالة والتنمية» إلا أن القلق يساورهم في شأن مستقبلهم على هذه الأرض التي تحولت الى وطن بديل بالنسبة إلى بعضهم، يسعى إلى الحصول على جنسيته. يقلقهم تأخُّر حملة تركية وعدهم بها مقرّبون من الرئيس رجب طيب أردوغان في شمال سورية. كان رهانهم عليها قوياً لحسم عسكري هناك طال انتظاره، بسبب دخول تركيا في أزمة سياسية بعد انتخاباتها، ويقلقهم أكثر ما راج من تأويل لحديث المعارضة عن وعود بإعادة اللاجئين السوريين الى ديارهم، ولا يريحهم تأكيد المعارضة مرة بعد أخرى أن هذا الأمر يُقصَد به السعي أولاً إلى حل سياسي في سورية ثم عودتهم، لأن الدعاية الانتخابية لأصدقائهم في حزب «العدالة والتنمية» أقنعتهم بأن المعارضة حليف للرئيس السوري بشار الأسد، ولن تنام مرتاحة حتى تتخلص من وجودهم على الأرض التركية. في المقابل، تداعت وكالات استطلاع الرأي لكشف النتائج المحتملة لانتخابات مبكرة في تركيا، يراهن عليها أردوغان لتصحيح مسار الاقتراع الأخير والعودة للإنفراد بالحكم في الخريف المقبل. ونشرت شركة «ايبسوس» نتائج استطلاعها في هذا الشأن والذي أشار الى أن ناخبي «العدالة والتنمية» وحدهم فوجئوا بنتيجة التصويت، وأن تكرار الانتخابات قد يزيد رصيد الحزب 3- 4 نقاط على حساب الحركة القومية، من جمهور عاتب على سياسة أردوغان، لكنه غير راضٍ عن الصعود القوي للقوميين على حساب حزبٍ ضَمِن لهم استقراراً سياسياً دام 13 سنة. لكن الاستطلاع يشير أيضاً الى أن بقية الناخبين مصرّون على أصواتهم، بمن فيهم الذين اقترعوا لحزب الشعوب الديموقراطية الكردي، ما يعني أنه في حال أُجريت الانتخابات مجدداً هذا الأسبوع فإن «العدالة والتنمية» قد يكسب عشرة مقاعد إضافية في البرلمان، يُرجَّح أنها لن تكون كافية لعودته الى الحكم منفرداً. ويُعتَقَد بأن السياسة الخارجية لتركيا لن تتأثر كثيراً، على المدى القصير، بالأزمة في الداخل، في ما يتعلق بملفَّي مصر وسورية، لأنهما في عهدة الاستخبارات التركية. وكان رئيسها هاكان فيدان حاول التخلي عن منصبه لأسباب غير واضحة، راوحت بين القول إن لديه طموحاً سياسياً ليكون وزيراً للخارجية، وترويج سأمه من الدور الذي حمّله إياه أردوغان. صحيح أن أجهزة الدولة العاملة بسرية في ملفي سورية ومصر، لن تجد نفسها مرتاحة كما كانت في حركتها، لكن تشكيل حكومة ائتلافية وحده يمكن ان يُغيِّر هذه السياسة التي تُنفّذ تحت الطاولة، بعيداً عن عين الناخب التركي. هنا تلتقي رهانات أردوغان على فشل كل سيناريوات الحكومات الائتلافية، وعلى أن يكون المشهد الحالي سحابة صيف عابرة، لكن تركيا عوّدت المراقبين على توقُّع مفاجآت، وقد تكون فترة تمتد لثلاثة أشهر حبلى بالكثير مما قد يُغيِّر صورة المشهد، وربما يبدِّل اللاعبين على الساحة.