رفع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان مجدداً أربعاً من أصابع يده اليمنى في الهواء، أمام حشد جماهيري في مدينة بورصة خلال خطاب الجمعة، لكنه لم يقصد هذه المرة الحديث عن رابعة المصرية التي مازالت تقف -ومن يمثلها- في وجه أي تقارب مصري- تركي، إذ طلب أردوغان من ناخبيه دعم مشروعه لتغيير النظام في تركيا الى رئاسي، من خلال انتخاب 400 نائب يدعمون مشروعه، وبدا ذلك على الفور طلباً تعجيزياً من رئيس الوزراء زعيم حزب «العدالة والتنمية» أحمد داود أوغلو، الذي يخوض الانتخابات في 7 حزيران (يونيو) المقبل وطموحه يكاد ينحصر في عدم تراجع أصوات الحزب في عهده، وأن تبقى فوق نسبة 45 في المئة. أما دخول البرلمان ب400 نائب من أصل 550، فيعني أن تقفز أصوات الحزب الى أكثر من 60 في المئة، وهذا أمر يستحيل تحقيقه ولم يحصل في تاريخ الجمهورية التركية. ولكن سرعان ما كُشِف سر قصد أردوغان من الرقم 400، وهو مجموع عدد نواب حزب «العدالة والتنمية» الحاكم مع حزب الشعوب الديموقراطية الكردي، المتوقع أن يحصل على 60 مقعداً في الانتخابات المقبلة، ما يعني أن أردوغان قرر أن يسير في طريق تحقيق طموحه السياسي يداً بيد مع الزعيم الكردي السجين عبدالله أوجلان. ولا عجب في أن إشارة أردوغان هذه جاءت بعد يوم على اتفاق بين رئيس جهاز الاستخبارات هاكان فيدان وأوجلان، يتناول ترتيبات إعلان حزب العمال الكردستاني وقفاً أبدياً لإطلاق النار، في مقابل إقرار قانون توسيع الحكم المحلي الإداري والذي يمهد لفرض نظام فيديرالي يستفيد منه الأكراد، ونقل أوجلان إلى حبس منزلي، على أن يكون ذلك قبل الانتخابات، من أجل ضمان أكبر عدد من أصوات ناخبي الحزبين. مفاجآت الرئيس أردوغان لم تقف عند هذا الحد، اذ أعلن هاكان فيدان المعروف بأنه الذراع اليمنى لأردوغان، استقالته من جهاز الاستخبارات استعداداً لخوض معركة الاقتراع ودخول البرلمان، وسط دهشة لدى نواب الحزب الحاكم الذين تساءل معظمهم عن سبب تضحية فيدان بمنصب يتمتع بحصانة قضائية لمجرد أن يكون نائباً، إلا إذا كان ذلك بطلب من أردوغان وتمهيداً لتولي الأول منصباً أرفع لن يكون في هذه الحال أقل من رئيس وزراء، كما يخمّن نائب رئيس الوزراء بولنت أرينش. هنا يقف رئيس الوزراء أحمد داود أوغلو صامتاً، فالبروفيسور الفذّ، بات مستقبله السياسي حبيس حلم شخصي لأردوغان لا يبدو أن للأول مكاناً فيه، فالمطلوب من داود أوغلو إدارة أحلام الرئيس وتحقيقها، ثم الانزواء أو العودة الى وزارة الخارجية لخدمة طموح أردوغان الذي سيتمتع بصلاحيات تعدّ سابقة، بينما يتحمل داود أوغلو طيلة هذه الفترة انتقادات المعارضة ونعتها إياه بأنه «دمية»... وعلى رغم التجريح، يحاول من خلال زيارات عائلية إلى قصر الرئيس، تأكيد أن علاقته بأردوغان طيبة، لا يشوبها أي خلاف أو استياء.