توالت مشاهد نهب تنظيم "الدولة الاسلامية" (داعش) لمدينة نمرود الآشورية القديمة ومقاطع فيديو تظهر فيه تماثيل وأعمال نحت مدمرة في مدينة الموصل في العراق، ثم السيطرة على مدينة تدمر الاثرية في سورية، لتؤكد عجز العالم عن إنقاذ بعض من أنفس كنوزه الأثرية. ومع رفض القوى الكبرى إرسال قوات إلى المنطقة، وسع مقاتلو التنظيم نطاق سيطرتهم في مواجهة القوات الحكومية في كل من سورية والعراق. وعجز العالم عن تأمين المواقع التراثية من التهديدات التى تحاصرها وهو ما قد يزيد حجم المشكلة مستقبلاً، إذ أن ذلك يقضى على أبواب رزق مهمة قائمة على السياحة، بالاضافة إلى أن الآثار تمثل مصادر لتمويل مقاتلي التنظيم. وقالت نائبة مدير إدارة التراث ميشتلت روسلر أن "يونسكو ليس لديها خوذ زرقاء"، مشيرة إلى رمز قوات حفظ السلام التابعة للامم المتحدة، مضيفة "نحن نعمل بثلاثة أفراد، فماذا تريد منا أن نفعل؟" وقالت روسلر التي شهدت خلال فترة عملها، تدمير جسر موستار التاريخي في البوسنة، الذي يرجع للعصر العثماني على أيدي القوات الكرواتية، كما شهدت نسف قوات "طالبان" لتمثالي بوذا في باميان في أفغانستان العام 2001 أن "الوضع في سورية والعراق لم يسبق له مثيل". ومع ذلك، فإذا كان العالم قد اكتسب خبرة واسعة في التعامل مع الاعتداءات على المواقع الأثرية، فإن السعي لوضع استراتيجية لمكافحة هذه الاعتداءات في غاية الصعوبة. واحتلت "اليونسكو" في ظل رئاسة وزيرة الخارجية البلغارية السابقة ايرينا بوكوفا، الصدارة في النداءات العالمية، من أجل وضع حد لتدمير الآثار. وعقد ما لا يقل عن ستة مؤتمرات دولية على مر السنين لحماية التراث، وانطلقت أجراس الانذار في قرارات مجلس الأمن وفي الاعلانات الصادرة عن رؤساء الدول والمتاحف الكبرى وعالم الفن. غير أنه رغم إحراز بعض النجاحات في استرداد بعض القطع، فما زالت هذه المساعي تواجه صعوبات، بسبب تفاوت أساليب السلطات في الدول المختلفة والفشل في التعامل مع شبكات التهريب مباشرة ونقص المعلومات الأساسية عن السوق التي تتعامل فيها هذه الشبكات. وقال جيسون فيلش الذي شارك في تأليف كتاب "مطاردة أفروديت" عن كيفية وصول الآثار المنهوبة في أيدي المتاحف العالمية "عندما تطرأ أزمة كهذه نشعر بضرورة التحرك، لكننا لا نعرف ماذا نفعل". ومنيت المواقع الاثرية المشهورة في سورية بأضرار جسيمة خلال السنوات الاربع التي انقضت، منذ تفجر الاشتباكات، من بينها تدمير تحف معمارية مثل السوق القديم في حلب. غير أنه مع استمرار الحرب الأهلية برز خطر النهب. وأظهرت صور التقطتها أقمار صناعية ونشرتها الحكومة الأميركية وآخرون، مواقع أثرية مثل مدينة دورا أوربوس الأثرية التي تعرف محلياً باسم صالحية الفرات وقد تزايدت فيها الحفر من جراء عمليات الحفر للتنقيب عن الآثار خلال الفترة من منتصف العام 2012 إلى أوائل العام 2014. ويعتقد بعض الخبراء أن أسوأ عمليات النهب تمت عندما كان الموقع تحت سيطرة الجيش السوري الحر، الذي يحظى بدعم غربي وعربي، في ما يشير إلى أن المشكلة متفشية وتؤثر في مواقع عديدة بغض النظر عن الفصائل المسؤولة عن المنطقة. ورغم أن هذه الصور مازالت مقبولة كأدلة على أن السرقة تحدث على نطاق واسع، فقد ظهرت شكوك في أسلوب حساب العوائد وأسس تقديراتها. وقال وكيل وزارة الخارجية الأميركية للديبلوماسية والشؤون العامة ريتشارد ستنغل في مؤتمر عقد بمتحف اللوفر في باريس هذا الشهر "مازلنا نحتاج لفهم السوق نفسه".وعلى نحو مشابه تتحفظ "يونسكو". وتقدر روسلر عائد الايرادات للتنظيم بملايين الدولارات، لكنها قالت إن "المنظمة ليس لديها تقدير رسمي". ومن الصعب عموماً تقدير حجم السوق السوداء في أي سلعة، وقد يتضح في النهاية أن النقاش جدلي، غير أن الأمر يكشف عن استمرار نقص المعلومات المؤسسية عن تجارة يعتقد أنها تستغل شبكات تهريب لسلع أخرى، مثل المخدرات بداية من دول مجاورة مثل تركيا ولبنان وانتهاء في الغرب. يذكر أن نحو 130 دولة من أعضاء اليونسكو البالغ عددهم 195 دولة صادقت على أبرز اتفاقيات المنظمة العام 1970، والتي تهدف لمنع التجارة السرية في الاثار، لكن روسلر قالت إن "دولتين فقط هما الولاياتالمتحدة وسويسرا هما اللتان تنفذان الاتفاقية مباشرة". ولم تتخذ دول تذكر خطوات لحظر مبيعات الآثار السورية والعراقية مباشرة، بسبب الضرر الذي قد يلحق بالأسواق الثانوية للقطع التي يبيح القانون تداولها، على الرغم من صدور قرار مجلس الأمن شباط (فبراير) الماضي بشأن حظر تصدير الآثار السورية. وقال المتحف البريطاني هذا الأسبوع، إنه يحتفظ بقطع أثرية لم يعلن عنها، خرجت بطريق غير قانوني من سورية، وإن صوراً نشرت على مواقع التجارة الالكترونية لأشكال من الحجر الجيري يعتقد أنها من تدمر. وقال المؤلف فيلش إن "مثل هذه الفترة من التهدئة يمكن أن يستغلها التجار في تسهيل دخول قطعة إلى عالم الفن المشروع، وغالباً ما يتم ذلك عن طريق أحد هواة جمع القطع الفنية من الأفراد يتبرع بها لمتحف مقابل إعفاء ضريبي يزيد كثيرا عن ثمن شراء القطعة. ويجادل آخرون أن وجود جامعي التحف الأثرياء المستعدين لدفع مبالغ طائلة لاقتناء كنوز مهربة صورة سينمائية أكثر منها أمر واقع. ويقولون إن الجهد الحقيقي يجب أن يكمن في اقناع المتعاملين ذوي النوايا الحسنة برفض أي شيء لا يمكن إثبات طريق الحصول عليه بما لا يدع مجالا للشك. وقالت أليس فارين برادلي من شركة مجموعة استرداد التحف في لندن وهي شركة خاصة تدير قاعدة معلومات للآثار المسجلة إن "كل شيء من التوثيق السليم إلى الفطرة السليمة مطلوب في تحديد ما إذا كان أصل قطعة فنية موضع شك". وأضافت أن " ذلك الاحساس الداخلي عندما يعرض عليك شيء، أن تكون عليه علامات إزميل على سبيل المثال، فقد عملت بالآثار ولا أحد يستخدم الإزميل في التنقيب، بل إنك تعمل بأكبر قدر ممكن من الخفة".