"سدايا" تصدر وثيقة إطار تبني الذكاء الاصطناعي لتعزيز الاستخدام الأخلاقي لهذه التقنيات المتقدمة بالسعودية    انعقاد "مؤتمر ومعرض الحج" في نسخته الرابعة يناير المقبل بجدة    مركز الملك عبدالعزيز للتواصل الحضاري يستعرض دور التسامح    بايدن يتراجع ويعفو عن نجله هانتر    وصول الطائرة الإغاثية السعودية ال 27 إلى لبنان    الذهب يتراجع مع ارتفاع الدولار    المركز الوطني يعتمد تأسيس جمعية " ارتقاء " للخدمات الصحية بمحافظة أضم    القصيبي يثمن إشادة القادة الخليجيون بأعمال «مسام» في اليمن    الشؤون الإسلامية تواصل تنفذ جولاتها الرقابية على الجوامع والمساجد بأبي عريش وفيفا    وفد من مؤسسة سليمان الراجحي في جولة تفقدية لجمعية التوعية والتأهيل الاجتماعي بمنطقة جازان    ضمن فعاليات شتاء جازان…انطلاق بطولة مكاتب تعليم جازان للرياضات الشاطئية    أسرتا باجنيد وطراد تحتفلان بزواج أحمد    «واتساب» يتيح متابعة القنوات برموز ال QR    ياباني يقتحم ألف منزل للتخلص من التوتر    منصور بن زايد: الإمارات ستظل داعماً لمسيرة المجلس    تركي آل الشيخ يطلق الإعلان التشويقي لمواجهة أوزيك وفيوري في موسم الرياض    الأخضر السعودي والعودة للطريق الصحيح    في افتتاح الجولة 12 من دوري" يلو".. الفيصلي يستقبل الجندل.. والنجمة يواجه جدة    فابينهو وعوار مهددان بالغياب    تنفيذ 12 جولة مشتركة لضمان الامتثال في السوق العقاري    اتاحة الفرصة للشركات متناهية الصغر إيداع قوائمها المالية    أهمية توثيق الأعمال لتجنُّب النزاعات المستقبلية    زواجاتنا بين الغلو والفخامة والتكلُّف والبساطة (1)    آهٍ منك يا "نجم"    100 خدمة عدلية يوفرها تطبيق «ناجز»    د. رضا عبيد.. أستاذي ومعلمي    سعود بن بندر يهنئ مدير اتصالات الإقليم الشرقي    الصندوق الثقافي يُسدل ستار مشاركته في النسخة الثانية من «بنان»    دوِّن أهدافك وعادي لا تحققها    نحو فن مستدام    ميلا الزهراني.. بدوية في «هوبال»    الخصوصية الثقافية والعلاقة مع الآخر    الإعلانات غير المأذون لها.. إلى متى؟    تدهور الأوضاع في غزة بسبب تواصل الاعتداءات الإسرائيلية    الشتاء والاعتدال في الشراء    فواكه تسبب «تآكل» الأسنان    5 أمور لا تفعلها على مائدة الطعام    الراحة في النوم على الأريكة.. ماذا تعني ؟    احذر.. مواضيع غير قابلة للنقاش أمام الأطفال    أخضر السيدات يشارك في بطولة غرب آسيا للكرة الشاطئية    إلزامية الداش كام    32 جولة رقابية لوزارة الصناعة يوميا    بعد تأهله للدور التالي .. النصر يستضيف السد القطري في نخبة آسيا    ميزانية 2025.. مفتاح السر في «المرونة»    آسيا.. «مجنونة»    المصمك بطلاً لكأس الاتحاد السعودي للبولو    قبل وصول ترمب !    التصحر مرة أخرى    الوصل والقطع.. في الأزمات الإقليمية    أمير تبوك يزور الشيخ أحمد الخريصي في منزله    "911" تتلقى 2.577.867 اتصالًا خلال شهر نوفمبر الماضي    القصة القصيرة في القرآن    احذر أمامك مرجف    الأمير تركي بن محمد بن فهد يستقبل سفير قطر لدى المملكة    "الشؤون الإسلامية" تودع أولى طلائع الدفعة الأولى من ضيوف برنامج خادم الحرمين الشريفين إلى بلدانهم    أمير تبوك يستقبل المواطن مطير الضيوفي الذي تنازل عن قاتل ابنه    أمير تبوك يقف على المراحل النهائية لمشروع مبنى مجلس المنطقة    هنآ رئيس الأوروغواي الشرقية.. خادم الحرمين الشريفين وولي العهد يعزيان القيادة الكويتية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



دبي... امتحان العولمة
نشر في الحياة يوم 07 - 01 - 2010

المدينة - الدولة دبي تُعاقب اليوم لأنها خرجت عن المألوف، وفكرت في ما ليس مُفكراً به، وابتكرت واشتغلت على طموحها، وبالغت فيه، وأنجزت. فحولت الصحراء إلى عمران وأخرجت من الرمال ذهباً. في كل الدُنيا، الاقتصادُ يبنى على المياه والثروات. من ميزات هذه الدولة - المدينة أنها صنعت من المستحيل اقتصاداً.
الإبداع أصلاً أن تفكر فيما ليس مُفكراً به: الصحراء تساوي عمراناً، والبحر منتجعات حيث الحرارة اللاهبة!، ودورة من الاقتصاد أساسها الثالوث: عمران - مال - عمران.
شيء من الاختراع!، يجسد الاندفاع نحو جني المال من الصحراء، حيث لا ثروات إلا الأفكار وابتكار الحلول والهروب القصووي من العرقلات والروتين ومذهب الإغلاق خوفاً من ولوج المجهول.
خرجت دبي عن العقل! العربي، حاولت أن تتكلم لغة العالم الرأسمالي من دون ثورة برجوازية ولا حروب دينية ولا قومية ولا عالمية، أي خرجت عن طاعة التاريخ.
من دون إيديولوجيات ولا تنظير، أرادت أن تكون بهوية كوزموبوليتية في محيط لا تسمح به الإيديولوجيات المحافظة، وهو أيضاً نوع من التفكير في ما ليس مُفكراً به. كانت خليطاً يشبه المدن الساحلية الاغريقية الشديدة التنوع والمثاقفة.
فعلتها دبي، ولكن الهوية غير المستباحة وغير المأزومة دفعت ثمن كوزموبوليتها. ففي هذا العالم الذي طبّلوا وزمروا فيه في الغرب للعولمة وفوائدها، لا تستطيع مدن صغيرة أن تكون كوزموبوليتية من دون أن يسندها اقتصاد دولة كبرى. باريس تستطيع، لكن دبي حاولت وها هي تدفع الثمن لأن المدينة - الدولة لا تستطيع أن تكون دولة عظمى وبالتالي مع أي زلزال عالمي اقتصادي فإن أقل توابعه يكون ذا تأثير خرافي.
من حيث المبدأ لا بد من أن نحترم عقل دبي. هو نوع من العقل الذي أراد أن يتجاوز المأزوم النهضوي، حيث من غير المسموح صنع نهضة في أصقاع المعمورة العربية، فرسمت لنفسها خط المدنيّة كبديل.
التطور الاقتصادي ليس قراراً اقتصادياً. إنه شأن سياسيّ بامتياز؛ محكوم بقرار داخلي ورهين الواقع الاقتصادي العالمي ومعادلة المسموح والممنوع، ولكن الممنوع ليس قدراً نهائياً، بل يمكن الالتفاف عليه. ينطبق عليه قاعدة الذكاء الشهيرة: إذا رأيت في طريقك صخرة لا تتوقف عندها ولا تنطح رأسك بها دُرّ حولها.
الذكاء هو أن تدور DETOUR. ودبي كانت تدور.
هذا الاختلاط بين المشروع النهضوي والمشروع العمراني صنع من دبي ما عرف بالأسطورة على مدى ثلاثة عقود تقريباً. ما المانع أن يكون العمران مدخلاً إلى صنع مشروع ؟. من حق دبي أن تجرِّب في عالم الممنوعات.
وقد جربت ويكفيها شرف ما قدمت حتى الآن، إذا أردنا أن نفي أي تجربة حضرية - مدنيّة حقها من دون لغة التشفي (الإيديولوجية) والتنظير الاقتصادوي المفرط. لأنه لو كان على دبي أن تفكر بنفس الطريقة لما صنعت شيئاً. هل كان من الممكن أن تبني اقتصاداً انتاجياً ضخماً حتى يرضى المنظرون؟ هذا سؤال يُحال إلى المسموح والممنوع عالمياً.
عندما قرأنا مقالة هنري كيسنجر عن مخاطر أن تجني دولة كالإمارات مدخول ارتفاع أسعار النفط الخرافي، برقم قدّره ب900 بليون دولار، عشية سقوط بنك ليمان برازر، كان واضحاً أن خسارة 200 بليون دولار لا تعني إلا البدايات، ومن هنا نفهم الممنوع والمسموح.
مسموحة المدنية ممنوع المشروع النهضوي الشامل. هذه هي معادلة المسموح والممنوع. طبقتها دول عدة فنجت من مصير تجربة عبد الناصر. وللتذكير فبعض الدول أدرك مخاطر المشروع النهضوي فاختارت التطور (بالقطّارة) وهذا شيء من العقلانية. هذه العقلانية لا تُرضي البعض ممن يتلهف على التطور الشامل، لكنه لا يدري أنه يتلهف للمواجهة... غير المتكافئة.
كان أفق أي مشروع للعرب محكوم بالآخرين (المعولم الذي كان بالأمس كتلة غربية - كتلة غربية). هربت دبي من قدر العرب إلى الأمام نحو الواجهات الزجاجية وأكبر برج في العالم، لينبري سايمون هندرسون (هو زميل بيكر ومدير برنامج منطقة الخليج وسياسة الطاقة في معهد واشنطن)، ليتساءل: متى سيصبح هذا المبنى عندما سيخلو من المستأجرين «أفرغ» مبنى في العالم؟
ممنوع لأيّ عروبي بأفق نهضوي تاريخاني أن يجلد دبي. لأن جلد دبي كمن يكرّس الممنوع لمصلحة الاستكانة. دبي اليوم هي قضية كل العرب. هي نموذج تجب مؤازرته وعدم الاكتفاء بالتفرج عليه. يجب أن تنهض دبي كطائر الفينيق بمساعدة كل العرب، لأن كل تجربة مبتكرة (بعيداً من أي تنظير بوليسي أو إيديولوجي) هي جزء من نهوضنا نحن العرب جميعاً. ممنوع ثم ممنوع التشفي أو المُحاصرة لهذه التجربة إن بالتكتيك أو بالصمت الفاجر! ومهما يكن من أمر فإن دبي لم تنته كتجربة، والأهم أن نعرف نحن العرب كيف (نُراكم ) تجاربنا.
الأمة التي لا تُراكم تجاربها تنتهي إلى التذرير؛ إلى انفراط عقدها كما الذرات تنتثر من دون قوى ترابط فيزيائي!.
لا يجب أن نفكر بعقل نفعي صغير، إزاء موضوع كأزمة المدينة - الدولة. دبي جزء من نهضة العرب ولو بالمدنية... فعلت المدينة - الدولة ما تستطيع ولها مالها قبل أن يكون من حق أحد أن يتحدّث عما عليها.
لم تكن دبي سراباً. كانت مشروعاً للرخاء. حين احتاجت في مرحلة معينة، كما أُفيد،إلى ربع عدد رافعات البناء في العالم، وذلك مهما قيل في الغرب عن طبيعة غير واقعية وراء تشييد بنايات الزجاج والفولاذ على شكل نمط جزيرة «مانهاتن المصغرة» في الولايات المتحدة، حيث أحب أولئك السياح والزوار أن ينفقوا الكثير من المال في تلك الفنادق الفاخرة.
ربما بالإمكان تغطية جميع إجمالي ديون دبي الخارجية التي تقدر ب 80 بليون دولار، ناهيك عن حصة «مجموعة دبي العالمية» التي تقدر ب 24 بليون دولار. هذا ليس مستحيلاً على رغم الصعوبات، لكن المطلوب هو عدم وأد التجربة.
في واشنطن يتحدثون عن تركز المخاوف الأخيرة في أميركا والمتعلقة بدبي، من قدرة الإمارة على رسم سياسة اقتصادية ذات بُعد إقليمي مستقل نسبياً وهذا من الممنوعات بحسب هندرسون، فعلى سبيل المثال بنت دبي علاقات مع فرنسا وأقامت قاعدة فيها. شيء من التوازن الدولي الممنوع! وكذلك ثمة علاقات متوازنة مع طهران على رغم قضية الجزر الثلاث، وثمة تواصلات اقتصادية مهمة، لكن أخطرها بحسب معهد واشنطن أن معظم واردات إيران من البنزين تأتي من طريق مرافق تموين في دبي والفجيرة.
ومن المرجح زيادة الضغط الذي تتزعمه الولايات المتحدة والموجه للشركات والدول لوقف شحنات البنزين إلى الجمهورية الإسلامية. كما أن الكثير من الإيرانيين، يملكون عقارات في دبي، وثمة مطالبة في واشنطن بإمكانية إعادة تقويم الاستخدام المتكرر لميناء «جبل علي» في الإمارة من البحرية الأميركية. لإعادة تقويم الأوضاع!
دبي فرصة لنا كعرب أن نفكر بعقل وظيفي تاريخاني مُسيس بطريقة أكثر عقلانية وبشكل يجعل الزمان مادة للإرث وليس للتوارث.
* مدير مركز المعطيات والدراسات الاستراتيجية - دمشق


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.