انعكست الأجواء التي سادت محادثات رئيس الحكومة اللبنانية تمام سلام مع ولي العهد السعودي نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الداخلية الأمير محمد بن نايف بن عبد العزيز ارتياحاً لدى الوفد اللبناني ليل أول من أمس. وهي كانت تمهيداً للقاء سلام والوفد الوزاري المرافق له مع خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز قبل ظهر أمس. وأفادت مصادر الوفد بأن سلام لقي تجاوباً وتفهماً للقضايا التي طرحها خلال الخلوة مع ولي العهد وأنه اطمأن إلى أن تنفيذ الهبتين السعوديتين المخصصتين لمساعدة الجيش والقوى الأمنية اللبنانية سيتواصل على رغم ما أشيع عن تجميد أي منهما، بعد أن أثار سلام ما يصدر من «حملات تشكيك في متابعة تنفيذ تسليم الأسلحة والأعتدة العسكرية. وأشار سلام لاحقاً في دردشة مع الصحافيين إلى أن ولي العهد قال له في الخلوة إن الهبة العسكرية للبنان ملكية لا مجال للعودة عنها من أحد ولا لعدم تنفيذها وليس هناك من إشكال في ذلك. كما قال سلام للصحافيين إن هبة البليون دولار نُفذ أكثر من نصفها حتى الآن. وعقدت الخلوة بعد محادثات ثنائية بين الجانبين السعودي واللبناني أعقبت عشاء أقامه الأمير محمد على شرف سلام والوفد المرافق له، «نيابة» عن الملك سلمان كما جاء في بطاقات الدعوة التي وجهت إلى المدعوين وبينهم زعيم «تيار المستقبل» رئيس الحكومة السابق سعد الحريري، في قصر الضيافة مقر إقامة الوفد اللبناني. وقالت مصادر الوفد اللبناني إن الأمير محمد أكد خلال المحادثات الموسعة التي جرت بحضور الوزراء الخمسة المرافقين لسلام، قبل الخلوة، استمرار دعم المملكة للبنان والثقة بقيادته والتشديد على أن القيادة السعودية تتمنى الخير لجميع اللبنانيين وتأمل باجتماعهم على كلمة واحدة في معالجة ما يواجههم من صعوبات. وأوضحت المصادر أن سلام قدم خلال الجلسة الموسعة عرضاً للأوضاع على حقيقتها منذ تولي حكومته مهماتها وصولاً إلى اليوم، قبل أن ينتقل المسؤولان إلى خلوة بينهما. وذكرت مصادر مقربة من سلام ل «الحياة: أن العرض الذي قدمه سلام تناول «تراكم السلبيات في البلد منذ أكثر من سنة نتيجة عجز القوى السياسية عن انتخاب رئيس مشيراً إلى أن الوضع الأمني ممسوك في البلد على رغم الأخطار لكنه في الوقت نفسه حساس وخطير نتيجة ما يحيط به من أحداث». وقال سلام للجانب السعودي إن المملكة ساعدت لبنان على تجاوز أزماته في السابق منذ توليها العمل من أجل اتفاق الطائف، متمنياً أن تواصل متابعتها الحثيثة في هذا المجال للمساعدة السياسية في تجاوز أزمة الشغور الرئاسي، عبر صلاتها مع كل الأطراف الخارجية والداخلية. وأشارت المصادر إلى أن سلام شعر باهتمام كبير بالزيارة من المسؤولين السعوديين بدءاً باستقباله على ارض المطار من قبل ولي العهد. ففي زيارته السابقة استقبله أحد الوزراء وكان الرئيس ميشال سليمان في منصبه. أما في هذه الزيارة فقد تم التعاطي معه على أنه على رأس السلطة التي تقوم مقام الرئاسة. الحريري والتفاهم مع عون وكان حضور الحريري في قصر الضيافة بعد انتهاء العشاء الرسمي ليل أول من أمس جاذباً لوسائل الإعلام، فتحلق حوله الصحافيون اللبنانيون إثر انتقال الوفدين إلى جلسة المحادثات الرسمية، فأمطروه بالأسئلة وبالتقاط الصور معه. ووجه الحريري في دردشات متفرقة معهم رسائل عدة حول الوضعين اللبناني والإقليمي. ومما قاله رداً على سؤال عما إذا كانت السعودية ستتخذ إجراءات ضد اللبنانيين نتيجة حملة «حزب الله» عليها، أن المملكة أكبر من ذلك ولا تتصرف بهذه الطريقة. لكنه أشار تعليقاً على وضع السعودية إثنين من قادة الحزب على لائحة ارهاب، إلى أن الحزب بسياسته يضرب مصالح اللبنانيين أينما كان وليس فقط في السعودية، بل في أميركا وفي كل دول العالم، إضافة إلى دول الخليج. وعندما سئل عن «جدوى الحوار في هذه الحال إذا كنت توجه للحزب هذه الاتهامات» رد بالتمسك به قائلاً: مع من يتحاور المرء إذاً؟ هل أتحاور مع حليفي الذي أنا متفق معه؟ قد نختلف كحلفاء على أمور ثانوية نعالجها. لكن الحوار يتم بين المختلفين والخصوم. أليست هذه هي الحال بين التيار الوطني الحر وبين القوات اللبنانية؟ لا خلاف بيننا وبين القوات اللبنانية يحتاج إلى ورقة تفاهم. نحن لسنا متفاهمين مع الحزب على أمور كثيرة ونحن نلتقي من أجل نقول أن لهم إننا لا نوافق على سياستهم في اليمن وسورية والعراق ولا على سلاحهم في لبنان الذي يأتي بالمشاكل إلى البلد. واجبنا أن نتحاور لأن الوضع بيننا وبينهم كان أسوأ حين كانت هناك قطيعة». وعن دخول الجيش إلى عرسال قال الحريري إن «الجيش موجود فيها ودخلها. لماذا يطلبون منه الدخول؟ فليتركوا الجيش يقوم بعمله هناك وله قيادته التي تعرف ما يتوجب فعله». وعن تعيين قائد للجيش أوضح الحريري أن «موقفنا هو مع التعيين، لكن رئاسة الجمهورية أهم في رأينا. يجب ان ننتخب رئيساً. لدينا قائد للجيش لكن ليس لدينا رئيس». أما بالنسبة إلى احتمال شل الحكومة بفعل الخلاف على التعيينات في المناصب العسكرية القيادية فقال الحريري إن «الشلل يصيب البلد لا الحكومة. يكفي أنهم شلوا مجلس النواب. هل نذهب إلى شل الحكومة بعد البرلمان كما يلوّح العماد ميشال عون لأن هناك من يقول أريد فلاناً». وتابع: «لدي علاقة جيدة مع العماد عون لكن نصيحتي له ألا يتمسك بهذه المعادلة، واعتقد أن بإمكاننا أن نتفاهم معه حول موضوع الحكومة». واعتبر أن «موضوع الحكومة يطرح الآن بسبب أجواء التشنج في المواقف. ورأيي اننا نستطيع التفاهم مع العماد عون. أنا أعرفه جيداً وهو يعرفني أيضاً وأنا أحبه. ويجب أن نتوصل إلى تفاهم يحفظ الحكومة خصوصاً أن الرئيس نبيه بري ورئيس «اللقاء النيابي الديموقراطي: وليد جنبلاط يبذلان جهوداً من أجل الحوار ويعملان بجد له. لقد شاهدنا جميعاً كيف أن الوضع في البلد يكون سيئاً عندما لا نحكي مع بعضنا. اليوم الوضع في البلد أخطر بسبب الوضع على الحدود مع سورية وقضية النازحين السوريين، الذين قصفت منازلهم ودمرت فاضطروا لمغادرة بلدهم. وعلينا أن نتذكر أننا عانينا الشيء نفسه حين أصابتنا المصيبة فاستقبلت الدول كلها النازحين من بلدنا وفتح الجميع بيوتهم لنا». وحين قيل له إن هناك حديثاً عن أن الرئيس السوري قد يرحل أجاب: «آن له أن يفهم ذلك...موقفه أن يبقى أو تخرب سورية. خرّبها ولن يبقى، وغريب كيف أن رؤساء مثل معمر القذافي وعلي عبد الله صالح والأسد يصرون على البقاء و«داعش» وغيره أسوأ منهم. اللبنانيون جميعاً عانوا من النظام السوري بما فيهم حزب الله. ليس لدى الأسد ذرة إنسانية. واحد يصوّر عمليات ذبح الناس والآخر يقتلهم بالبراميل المتفجرة. بالأمس سقط 90 شخصاً بالبراميل في محيط حلب». شل الحكومة «من أجل موظف» وصباح أمس التقى سلام الصحافيين في لقاء حضرت فيه أنباء الأوضاع الداخلية المتواترة من بيروت إضافة إلى الزيارة فكرر أن الأمير نايف أكد له أن لا تراجع عن الهبتين للجيش، مشيراً إلى أن التشكيك في الأمر بدأ منذ اتخاذ القرار بهما تارة بحجة التأخر في تنفيذها و أخرى بتباطؤ التنفيذ لكن الأمر ماشي. وعندما سئل عن الخلاف على اتخاذ قرار بخوض الجيش صراعاً ضد المسلحين في عرسال وجرودها قال: «هل اتخذ قرار بوقف مهمة الجيش في عرسال حتى نتخذ قراراً جديداً بتكليفه؟ هل أن التشكيك في قيامه بمهماته هناك يحتاج إلى قرار جديد؟ وعن احتمال شل عمل الحكومة بسبب الخلاف على عرسال وعلى التعيينات العسكرية، توقف رئيس الحكومة عند التصريح الذي نشر أمس في صحف لبنانية نقلاً عن الرئيس بري بأنه باق في الحكومة ويعتبرها شرعية لافتاً إلى أنه موقف مهم وقال: ليست المرة الأولى التي يحصل فيها استقطاب في البلد بفعل الخلاف على انتخاب رئيس للجمهورية، لكن أن يُشل البلد من أجل الخلاف على تعيين موظف فهذا غير منطقي. أنا أفهم أن يصاب البلد لخلاف على قضية كبرى، لكن الجميع متفق على دور الأجهزة الأمنية وتوفير الحماية للبلد وعلى التهدئة فيه، فلماذا التهديد بشل الحكومة؟ وقال سلام إنه فهم من محادثاته مع ولي العهد السعودي أن المملكة مستمرة بتقديم المساعدات للنازحين السوريين لأنه يرأس الهيئة السعودية المولجة بالأمر في كل البلدان التي نزح إليها سوريون بما فيها لبنان. وهي قدمت إلى الآن ما يقارب 150 مليون دولار. وأشار إلى أنه سمع منه تقويمه لمكافحة المملكة الإرهاب حيث الأمن فيها ممسوك بطريقة لا تزعج المواطن السعودي أو المقيم وأن القوى الأمنية فيها قادرة على مواجهة القوى الإرهابية من دون أي تغيير في حياة الناس اليومية ومن دون تحويل البلد إلى ثكنة عسكرية. وأوضح سلام أن ولي العهد أشار إلى أن الوضع القائم في سورية ربما يستمر فترة طويلة على هذه الحال من التأزم والحروب وقد يمتد سنوات ومعه نشاطات الإرهاب والاضطرابات وأن المملكة ستكون في مواجهة هذا الوضع ولاخيار آخر لديها. وأشار سلام إلى أنه قال للجانب السعودي إن مسؤولية السعودية في هذا الوضع لا تتوقف على خوض هذه المواجهة في المملكة بل تتناول دول المنطقة والدول الإسلامية. وقال رداً على سؤال إن لا إجراءات في السعودية ضد لبنانيين وإن ما اتخذ من إجراءات ضد بعضهم في الإمارات العربية المتحدة كان لأسباب أمنية كما أبلغه وزير خارجية الإمارات الشيخ عبد الله بن زايد الذي قال لي إنهم رحّلوا 6 آلاف شخص لديهم من جنسيات مختلفة ولم تحصل في دولهم ضجة كالتي أثيرت في لبنان بترحيل حوالى 50 شخصاً بعد متابعة أمنية لهم امتدت أحياناً على مدى سنة وجرى إعطاؤهم مهلة كافية كي يغادروا وليس كما قيل إنهم رحّلوا في 24 ساعة. وقال سلام إنه طلب استمرار عناية المملكة بالأزمة الرئاسية اللبنانية لأن علينا أن نكون شفافين وليس صحيحاً أنها مسألة سيادية ففي لبنان لم ينتخب من ال 12 رئيس للجمهورية سوى رئيس واحد هو الرئيس الراحل سليمان فرنجية بصوت واحد. والباقون جاؤوا إما بإيحاء أو بتدخل خارجي أو بصناعة خارجية. من جهة ثانية أقام الرئيس الحريري مأدبة غداء في منزله في جدة على شرف سلام والوفد الرسمي المرافق بعد انتهاء لقائهم مع خادم الحرمين. وأعقبت الغداء خلوة بين الحريري وسلام جرى خلالها بحسب بيان صادر عن إعلام رئاسة الحكومة «التداول في الأوضاع اللبنانية». وعلمت «الحياة» أن الوفد حمل معه إلى الجانب السعودي ملفاً أعدّه رئيس مجلس الإنماء والإعمار نبيل الجسر الذي كان في عداد الوفد، يتضمن مشاريع إنمائية في المناطق اللبنانية المضيفة للنازحين السوريين، للمساعدة على نهوضها واحتضان البيئات الاجتماعية الفقيرة التي يمكن أن يظهر فيها التطرّف والجنوح نحو الإرهاب. وكان سلام التقى في مقر إقامته وزير المال السعودي إبراهيم العساف، وجرى البحث، بحسب البيان نفسه، في «المشاريع التي تمولها المملكة في لبنان، والتداول في كيفية إزالة العراقيل من أمام تنفيذ قرض البليون دولار الذي كانت المملكة تعهدت بتقديمه في مؤتمر باريس3، ووعد العساف بأن المملكة ستقوم بما يلزم للإسراع في إقرار القرض، والتواصل مع مجلس الإنماء والإعمار لمتابعة الأمر في شقّه اللبناني» واجتمع وزير الخارجية جبران باسيل مع وزير الدولة لشؤون الخارجية السعودية نزار مدني، واتفق، بحسب بيان عن مكتب باسيل، على «تعزيز العلاقات الثنائية وتوقيع اتفاقات بين لبنان والمملكة لتفعيل التبادل التجاري والتعاون القضائي وفتح مدرسة لبنانية في المملكة، وتم عرض قضايا المنطقة والتعاون بين البلدين لمكافحة الإرهاب».