الساعة تشير إلى 12 ظهراً، حناجر أئمة الجوامع تصدع عبر المكبرات بالخطب والمواعظ، المصلون خاشعون منصتون للخطب، الجميع يعيش أجواء الجمعة الروحانية بطمأنينة وهدوء. جامع كبير يقبع في قلب أحد أكثر أحياء الدمام هدوءاً، جامع الإمام الحسين في حي العنود، ذاك الحي الجميل الذي يتميز بالهدوء والجمال. مركبة بيضاء بداخلها رجل و«امرأة» تقترب من إحدى بوابات الجامع المغلقة، والتي كانت مخصصة للنساء، لتعود أدراجها باتجاه بوابة مفتوحة يقصدها الرجال، تترجل «المرأة» من المركبة بغية دخول المسجد. شبان في مقتبل العمر يمنعونها من الدخول، نظراً إلى منع النساء من أداء الصلاة في ذاك اليوم. لكن «المرأة» تصر على الدخول وتقاوم الشبان. أحدهم يهرول مسرعاً إلى إحدى الدوريات الأمنية القريبة، طلباً للنجدة، حينها يدوي انفجار كبير فيما الأشلاء تتطاير والدماء تكسو جدران الجامع الكبير. سحب كثيفة من الدخان، أصوات الذعر والبكاء والصراخ والدموع تعلو المكان. ثوان معدودة تحول بعدها المكان إلى «خلية نحل»، أصوات صفارات إنذار سيارات الإطفاء والدوريات الأمنية ونغمات أجهزة اللاسلكي وفرق الهلال الأحمر، مناظر باتت تطغى على المكان. تحول الحي الهادئ إلى أكثر الأماكن صخباً، عشرات المراسلين والصحافيين يتوجهون إلى الجامع، وقنوات الأخبار تتناقل حدث «تفجير انتحاري»، في غمضة عين تحول حي العنود إلى أحد أشهر الأحياء، وبات اسمه يلف العالم. المكان يعج بالدماء وأشلاء الجثث المتطايرة، صراخ امرأة يأتي من منزل مجاور للجامع، وهي تبكي ونبرات صوتها تغطيها دعوات وحسرات، أصوات استغاثة تطلقها المرأة من داخل المنزل الكبير الذي استقبل نصف جسد الانتحاري، الذي قذف به الحزام الناسف بعيداً. الأمن يطوق المكان، ورجال الأدلة الجنائية يبدأون جمع الأدلة من المكان، وضباط التحقيق يستجوبون الشهود. التحقيقات تتواصل، ليتم لاحقاً اكتشاف أن «المرأة» لم تكن سوى رجل يرتدي زياً نسائياً، وأن الهدف من العملية هو استهداف النساء المصليات في الطابق العلوي، ولكن تم منع النساء من الصلاة في ذاك اليوم. الحقائق تتكشف شيئاً فشيئاً، إمام الجامع السيد علي الناصر منع النساء من حضور الصلاة، خوفاً من تهديدات، وأمر بوضع لجان تفتيشية مساندة لرجال الأمن في عملها في المراقبة والحماية. تنظيم «داعش» الإرهابي يتبنى العملية، ويتباهى ب«النصر»، في عملية أسفرت عن أربعة شهداء ومثلهم من المصابين. أهالي المتوفين يطلقون تكبيرات الشهادة، معبّرين عن السعادة باستشهاد أبنائهم وهم يدافعون عن المصلين من شر الإرهاب الغادر.