عبدالعزيز بن سعود يزور وكالة الحماية المدنية الإيطالية    تسويق السياحة السعودية    سادس أسبوع من المكاسب يحصدها الذهب وسط مخاوف من حرب تجارية    قمة السلام    سعد الحريري في ذكرى اغتيال والده يعد بالمشاركة في الاستحقاقات اللبنانية المقبلة    المملكة ترحب بقمة السلام    أوليفر: حلبة كورنيش جدة تتطلب تركيزاً لتفادي الأخطاء    فريق «مايك تايسون» يسيطر على ملاكمة المملكة    ابعد بعيد.. «العميد» الأول    غوارديولا: تألق مرموش كان مجرد مسألة وقت    القيادة تهنئ الرئيس الصربي    برعاية محافظ الزلفي: تعليم الزلفي يحتفي بيوم التأسيس    الرياض تسجل أعلى كمية ب14.7 ملم في الدوادمي    حالة مطرية على مناطق المملكة    "أبواب الشرقية" إرث ثقافي يوقظ تاريخ الحرف اليدوية    843 منافس في مسابقة شاعر الابداع بعنيزة    الهوية الصامتة    خطيب المسجد الحرام: اتركوا لأنفسكم آثارًا طيبة    قصة الدواء السحري    مستشفى الدكتور سليمان الحبيب بالفيحاء في جدة يجري عملية متقدمة لتصحيح العمود الفقري    احتمالات اصطدام الكويكب 2024 YR4    إسرائيل.. الفكر الاستعماري من التهجير إلى محاولات تصفية القضية    سوريا.. الانتقال الصعب..!    بينالي الفنون الإسلامية    عيد الحب: احتفاء بالمعنى الأزلي للحب    قصة نجاة في الصحراء !    أجمل «لا» قالها العرب    السعودية و«النقد الدولي» يطلقان مؤتمر العُلا لاقتصادات الأسواق الناشئة    كود.. مفتاح الفرص    الحيوانات تمرض نفسيا وعقليا    القيم مشرفاً على مشيخة الإقراء بالمسجد النبوي    جازان: القبض على 4 مخالفين لتهريبهم (67) كيلوجراماً من نبات القات    الأمير عبدالإله بن عبدالرحمن يزور جمعية كسوة الكاسي في جازان ويتسلم العضوية الشرفية    الاتحاد يقسو على الوحدة برباعية ويتربع على صدارة دوري روشن للمحترفين    أمانة القصيم توقّع عقداً لتشغيل وصيانة شبكات ومباشرة مواقع تجمعات السيول    دعوات التهجير تتجاهل الدمار في غزة وتعرقل السلام    " 140 " مستفيد وحالة مستكشفه من أركان يشفين الصحية بقلوة    أمطار وسيول على 8 مناطق    الدفاع المدني يحذر من الاقتراب من تجمعات السيول وعبور الأودية    التدريب التقني يطلق مسابقة التميز الكشفي والإبداع    من الدرعية إلى جدة.. حكاية الفورمولا إي في السعودية    مرموش: شعرت أنني لاعب في سيتي بعد الهدف الأول أمام نيوكاسل    «Big 5 Construct Saudi» ينطلق اليوم ويستمر لأسبوعين    زراعة عسير تُطلق «خيرات الشتاء» في أبها    الذوق العام تطلق مبادرة "ضبط أسلوبك" بالتزامن مع تسوق شهر رمضان المبارك    سعود بن نهار يستأنف جولاته التفقدية للمراكز الإدارية التابعة لمحافظة الطائف    أمين يدشن عدداً من المشاريع بالقرية العليا واللهابة والرفيعة    مفتاح حل المشاكل    الشام وخطوة الاتصال اللحظي أو الآني    أمير الباحة يعزّي الزهراني بوفاة ابنه    عبدالعزيز بن سعود يزور وحدة العمليات الأمنية المركزية الإيطالية    أمير جازان: معرض الكتاب تظاهرة ثقافية يواكب عشاق القراءة    «الداخلية»: ضبط 22,663 مخالفاً لأنظمة الإقامة والعمل وأمن الحدود خلال أسبوع    الأمير عبدالإله بن عبدالرحمن آل سعود يزور معالي الشيخ علي بن شيبان العامري    «سلمان للإغاثة» يختتم 3 مشاريع طبية تطوعية في دمشق    في يوم النمر العربي    إحتفال قسم ذوي الإعاقة بتعليم عسير بيوم التأسيس السعودي    سعود بن خالد رجل من كِرَام الأسلاف    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



«العمق الرمادي» ليفغيني يفتوشينكو ... كأننا هدرنا حياتنا هباء
نشر في الحياة يوم 19 - 05 - 2015

«إن سيرة الشاعر الذاتية هي قصائده، أما ماعدا ذلك فليس سوى تعليق، ومع ذلك فمن واجب الشاعر أن يقدم لقرائه مشاعره وأعماله وأفكاره على راحة اليد. وعليه كي يحظى بإمكانية التعبير عن حقيقة الآخرين أن يدفع الثمن: بالكشف عن حقيقته من دون رحمة أو شفقة». هكذا ينظر الشاعر الروسي يفغيني يفتوشينكو إلى حقيقة «السيرة الذاتية» باعتبارها ليست مجرد بوحٍ أو مكاشفة، وحتى يتمكن الشاعر من التعبير عن مشاعر الآخرين، عليه أن يعرف كيف يعبر عن ذاته في سيرة ذاتية صريحة. إنه الاعتراف الكامل بالضعف الإنساني من دون تجميل أو انتقائية يقدمها لنا يفتوشينكو في كتاب: «العمق الرمادي» الذي ترجمه إدريس الملياني وصدر أخيراً عن دار «رؤية» للنشر في القاهرة.
ومنذ جان جاك روسو واعترافاته، تعودت الثقافة الغربية أن تقدم لنا سيراً ذاتية لا يتورع المبدع فيها عن كشف ضعفه الإنساني، وحرص يفتوشينكو على أن تكون سيرته مثالاً للجرأة: «لا يحق للشاعر أن يخادع الناس، ومهما حاول أن يزاوج في شخصيته بين الإنسان الحقيقي من جهة، والإنسان الذي يُعبر من جهة ثانية، فلا بد أن ينتهي إلى العقم، عندما تحول رامبو إلى تاجر عبيد، كان يتصرف على نحو يتناقض مع مُثله الشعرية، فانقطع عن الكتابة، وكان ذلك هو الحل الشريف للأسف، ثمة شعراء آخرون يصر بعضهم على الكتابة، حتى عندما لا تعود حياتهم تطابق شعرهم، فينتقم الشعر منهم بالتخلي عنهم. الشعر امرأة حقود، لا تغفر الكذب، ولا ترضى حتى بنصف الحقيقة».
الإطار الزمني لسيرة يفتوشينكو، منذ لحظة الميلاد في تموز (يوليو) 1933، يحيا فيها طفولة قاسية عايش خلالها الهجوم الألماني (1941) والحرب الثانية. قدم سيرته في محطات رئيسة، أبرزها علاقته بالشاعر بوريس باسترناك، ذلك الشاعر المتميز الذي: «لم يكن يؤثر في الناس ككائن بشري، بل كعطر وضياء وحفيف». ويفتوشينكو «شاعر كبير وذو جرأة على الجهر بما كان مسكوتاً عنه في مجتمعه الاشتراكي». «لقد ارتكبنا الكثير من الأخطاء. لكننا كنا البلد الأول على طريق تحقيق الاشتراكية، وربما ارتكبناها حتى لا تضطر البلدان الأخرى التي ستنهج الطريق نفسه إلى ارتكابها من جديد». وتأخرت معرفة القارئ العربي به، ومشروعه الإبداعي في حاجة إلى تأمل عميق.
وقد ترجمت سيرته الذاتية إلى لغات عدة عبر العالم: «لقد وافقت على كتابة هذه التجربة من سيرتي الذاتية، لأن القصائد تترجم في شكل رديء». كما أن الشعر عنده لنقل أنفاس الآخرين من دون أن تنتفي ذاتيته الخاصة، لأنه كما قال: «مقتنع بأنني يوم أفقد هذه الأنا، سأفقد في الآن ذاته قدرتي على الكتابة، ويبقى السؤال: لكن من أكون أنا؟».
في مقدمة «العمق الرمادي»، يقول المترجم: «كتب هذه السيرة وتجربته الشعرية برقة الشاعر ودقة الناقد، بأناقة أسلوب القاص والروائي ورشاقة توضيب الفنان السينمائي، بحماسة المناضل الثوري وفراسة المواطن الشعبي».
يعبر عن علاقته بالحزب الشيوعي السوفياتي بجمل بسيطة وكاشفة، ويعبر كذلك عن رؤيته للعالم وللكتابة، وموقفه السياسي: «كتبتُ مقالات ولم أكتب تقارير وشاية. لقد دافعت عن الموهوبين، ذلك الزمان الغريب حين كان الشرف البسيط يُسمى جرأة».
يكشف الشاعر في سيرته الذاتية اهتمام الغرب بعامة، والولايات المتحدة بخاصة، وأنهم اختصروه في موقف فكري واحد وغير محايد، موقف رأوه أنه ضد الاتحاد السوفياتي السابق.
إن هذا الشاعر المتميز، بحسب المترجم، الثورة كانت دين عائلته، نصف مثقف لأن أباه علمه قراءة الكتب، ونصف فلاح لأن أمه علمته حب الأرض والعمل. أحب الشعر وكرة القدم ونشر أولى قصائده في جريدة رياضية لكن أمه مزقت أشعاره لأن «الشاعر شخص متقلب قلق ومتألم دائماً، ولأن مصير الشعراء الروس كان مفجعاً تقريباً». الأم تستحضر نهايات بوشكين وليرمونتوف وبلوك وماياكوفسكي. يتحدث يفتوشينكو عن مرحلة صعود الاتحاد السوفياتي، ومن ثم انهياره، ويتحدث تحديداً عن صعود ستالين وأفوله، وكأننا نقرأ شهادة عن تلك المرحلة بعنفوانها وأوهامها وتلاشيها، ولذلك اختار أن يقيم على مسافة مع ستالين، لم يؤمن به، ولم يكتب شيئاً بأسلوب ذلك العهد، بل فضل أن يلوذ بقصائد العشق، لكن حين مات ستالين (1953) انفجر ما سماه «دموع الخوف على المستقبل». إنه يعي أن الاختلاف مع الفكر لا يتعارض مطلقاً مع حب الوطن والخوف عليه: «الناس تعودوا على أن يفكر ستالين نيابة عنهم، ومع الموت أدركوا أنهم صاروا يتامى، وأن لا أحد يفكر من أجلهم»، ربما يعود هذا الإحساس إلى أن الستالينية، كما يقول يفتوشينكو، ترى الناس مجرد دواليب بسيطة في منشأة صناعية كبرى، مدربة على الانقياد إلى الأوامر الصادرة من فوق إبان المؤتمر العشرين تعرت جرائم ستالين ولذلك يقول يفتوشينكو «ربما هدرنا حياتنا هباءً»، ولذلك أيضاً آمن بذلك الربيع المناهض للستالينية.
حاول المؤلف أن يكشف في سيرته الذاتية، ليس خداع العهد الستاليني الأسود فحسب، كما يرى المترجم، بل حاول أن يجيب أيضاً على كثير من أسئلة تلك المرحلة الربيعية القارسة والقاسية التي عرفت ذوبان الجليد، على عهد خروتشوف، ويجيب عن أسئلة مماثلة تمخضت عنها مرحلة الجمود الجديد، على عهد بريجنيف، وترهص في كثير من إشراقاتها بما ستتكشف عنه الأيام كذلك من أوهام «الشفافية»، و»إعادة البناء» على عهد غورباتشوف، وما سيشهده الاتحاد السوفياتي لاحقاً من انهيار شامل إلى حد القول إن يفتوشينكو تنبأ بذلك الانهيار. وفي ذلك دليل على قدرة الشعر والشاعر الرائي والبصير، المعمد بالتجربة والمهتدي ببوصلة الحكمة الشعبية الواضحة الاتجاه، على اكتشاف واستشراف المستقبل، وربما ما يدل على هذا الاستشراف عنوان ديوانيه المبكرين «مستطلعو المستقبل»، و»طريق المتحمسين». ويرى إدريس الملياني أن «هذه السيرة الذاتية المبكرة هي سيرتنا نحن إذ تجيب أيضاً على كثير من قضايانا الثقافية السياسية التي يحبل بها ماضي أيامنا الآتية ومستقبل أحلامنا الماضية».


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.