سعود بن نايف يرعى منتدى الجبيل للاستثمار 2025 لتسليط الضوء على دور المنطقة الشرقية في تحقيق رؤية المملكة 2030    اتفاقية تعاون بين تجمع الرياض الصحي الثالث ومستشفى الملك فيصل التخصصي    2.600 كرتون تمر أرسلتها المملكة لأهالي مديرية سيئون بحضرموت    ارتفاع أسعار الذهب إلى 2914 دولارًا للأوقية    مركز الملك سلمان للإغاثة يوزّع 260 سلة غذائية بمنطقة راجشاهي في مدينة دكا بجمهورية بنغلاديش    اللواء الفرج يتفقد خطط الدفاع المدني في العاصمة المقدسة لشهر رمضان 1446ه    وفد إسرائيل في الدوحة.. وويتكوف يصل غدًا.. «هدنة غزة».. جولة مفاوضات جديدة وتعقيدات مستمرة    اليمن.. إتلاف ألغام حوثية في مأرب    أنهى ارتباطه بها.. فقتلته واختفت    في إياب دور ال 16 لدوري أبطال آسيا للنخبة.. النصر يتطلع للتأهل من بوابة الاستقلال    في ختام الجولة 25 من " يلو".. النجمة والعدالة في صراع شرس على الوصافة    أعلى نمو ربعي خلال عامين..الإحصاء: 4.5 % ارتفاع الناتج المحلي الإجمالي    في ترتيب الأكاديمية الوطنية للمخترعين الأمريكية.. الجامعات السعودية تتصدر قائمة أفضل 100 جامعة في العالم    مواقف ذوي الإعاقة    العبيدان مديراً لخدمات الطب الشرعي    خلال حفلها السنوي بالمدينة.. «آل رفيق الثقافية» تكرم عدداً من الشخصيات    300 مليون دولار.. طلاق محتمل بين جورج كلوني وزوجته اللبنانية    تجديد مسجد «فيضة أثقب» على الطراز المعماري التراثي    تجاوز ال"45″ عاماً.. الإفطار الجماعي يجدد ذكريات «حارة البخارية»    مخيم عائلة شبيرق بأملج لإفطار الصائمين    تلاعبوا بعواطف جماهير الأندية وأغراهم التفاعل الكبير.. مفسرو أحلام" بميول رياضية" يبحثون عن" الشو الإعلامي" فقط    يوم العلم السعودي.. رمز الفخر والهوية الوطنية    ولي العهد يتلقى رسالة من رئيس إريتريا    اغتراب الأساتذة في فضاء المعرفة    الغذامي والبازعي والمسلم.. ثلاثتهم أثروا المشهد بالسلبية والشخصنة    مدير الأمن العام يرأس اجتماع اللجنة الأمنية بالحج    خيام الندم    سلمان بن سلطان يدشن مشروعات بحثية توثق تاريخ المدينة    الشيخوخة إرث الماضي وحكمة الحاضر لبناء المستقبل    السالم يبتعد بصدارة المحليين    تمبكتي يعود أمام باختاكور    الاتحاد يجهز ميتاي للرياض    سعود يعود بعد غياب لتشكيلة روما    ارتفاع أعداد الحاويات الصادرة بنسبة 18.25% خلال فبراير 2025    الأمير سعود بن نهار يستقبل قائد منطقة الطائف العسكرية    11 مليار ريال لفرص استثمارية بالأحساء    مبالغ النفقة والأخطاء الطبية مستثناة من الحجز البنكي    فتيات الكشافة السعودية روح وثّابة في خدمة المعتمرين في رمضان    الكشافة في المسجد النبوي أيادٍ بيضاء في خدمة الزوار    بلدية محافظة الشماسية تعالج تجمعات المياه بعد الحالة الجوية الماطرة    فيجا يربك حسابات الأهلي    قطاع ومستشفى تنومة يُفعّل "التوعية بالعنف الأُسري"    أبها للولادة والأطفال يُفعّل حملة "التطعيم ضد شلل الأطفال" و "البسمة دواء"    مستشفى خميس مشيط العام يُنظّم فعالية "اليوم العالمي للزواج الصحي"    سلام دائم    "تكفى لا تعطيني" تحاصر عصابات التسول    نعتز بالمرأة القائدة المرأة التي تصنع الفرق    ‏ "أمّ القُرى" تحصد شهادة الآيزو الدَّوليَّة في مجال أمن المعلومات ومجال الأمن السيبراني    فرض الضغوط وتعزيز الدعم إستراتيجية بورتمان لسلام أوكرانيا    شبكة مالية حوثية للهروب من العقوبات    هدم 632 منزلاً في طولكرم    الإفطار الرمضاني بالعُلا تجربة تنبض بعبق التاريخ والتراث الأصيل    أعمال «مرور الرياض» أمام محمد بن عبدالرحمن    مشروع الأمير محمد بن سلمان لتطوير المساجد التاريخية يجدد مسجد فيضة أثقب بحائل    أمير منطقة جازان يتسلم التقرير السنوي لجمعية الأمير محمد بن ناصر للإسكان التنموي    يوم العلم السعودي.. اعتزاز بالهوية وترسيخ للقيم    المرأة السعودية.. شريك أساسي في بناء المستقبل بفضل رؤية القيادة الرشيدة    الجامعة العربية تدين تصاعد العنف في الساحل السوري    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



"العمق الرمادي - سيرة ذاتية مبكرة"
نشر في الرياض يوم 18 - 09 - 2008


- 1-
لا أتذكر بالضبط في أي عام التقيت بالشاعر السوفييتي يفغيني يفتنوشينكو في مدينة الرباط من عقد الثمانينيات من القرن المنقضي. يومها، كتبت عن تلك المقابلة ولجريدة الرياض أيضا فهاجمني البعض بسببها. كانت قاعة الرباط شبه خالية. أنا وإحدى الرسامات المغربيات دخلنا فشاهدنا بضعة أفراد من وكالة نوفوستي وشخصيات معروفة من المركز الثقافي السوفييتي ببذلاتهم العتيقة وأربطة عنق تشكو من عتق موصى عليه.
كنا نعرفهم، أولئك السوفييت في بغداد أو المغرب أو موسكو الخ من طراز ثيابهم وتسريحة شعورهم المردودة إلى وراء أوالفرق من النصف. كانت لهم طريقة في النظر للآخرين وكأننا، في الغالب على لائحة الاتهام. تلك النظرات هي ذاتها تضعك تحت برج المراقبة والرصد اللحظوي كما في جميع الأنظمة الشمولية في العالم، بلداننا على رأس اللائحة. في تلك القاعة كانت هناك ضمائر عدة؛ ضمير المخاطبة: أنت بروليتاري. ضمير الغائب: هو شيوعي. وضمير المتكلم: الذي ألجأ إليه كمرجع تجريبي وليس نرجسيا، هو محرّضي على الكتابة والحرية، كان ومازال. كان الاتحاد السوفييتي على وشك الرحيل وكان خط الأفق مدججا بأسلحة تبدو اليوم قديمة فلم تطلق رصاصة واحدة، وأفل ذلك النظام الفولاذي كما لو كان فيلم كارتون. يومها، تحدثنا عن ذلك النوع من التطبيقات الدموية والتي تسببت بفظاعات غطت مساحة أوروبا بأسرها. وحين أعلن رسميا عن وفاة تلك المنظومة الاشتراكية بما يسمى بحركة التصحيح الشهيرة دخل العالم في البلاهة والسفاهة سويا. شاعرنا هذا تبناه الغرب والولايات المتحدة كجزء من خصوصية الحرب الباردة بين المعسكرين وكانت مساحتها تتسع لتصل الإعلام والشعر، الهندسة والعلوم بجميع اختصاصاتها، كما تبنت تلك الولايات المتحدة كتابا وشعراء وصحافيين وإعلاميين وباحثين من جيل عراقي عمره اليوم من عمر الشاعر الروسي الذي قُدم ك "شاعر كبير وذي جرأة على الجهر بما كان مسكوتا عنه في مجتمعه الاشتراكي". "لقد ارتكبنا الكثير من الأخطاء. لكننا كنا البلد الأول على طريق تحقيق الاشتراكية، وربما ارتكبناها حتى لا تضطر البلدان الأخرى التي ستنهج نفس الطريق إلى ارتكابها من جديد". في هذا الكتاب الصادر عن دار أزمنة الأردنية يقدم الشاعر سيرة ذاتية مبكرة بعنوان: العمق الرمادي بترجمة وتقديم رشيق للباحث والكاتب المغربي إدريس الملياني.
- 2-
في المغرب حركة ترجمة لا نظير لها في العمق والقوة والجمال كاختيار الشاعر والباحث والمترجم الباهر المهدي أخريف بما قدمه للمكتبة العربية من إرث الشاعر البرتغالي الفذ فرناندو بيساوا، سنعود إليه في حلقات قادمة. يتحدث الشاعر الروسي الذي سبق وقرأت مذكراته أو يومياته المنشورة متسلسلة في إحدى الصحف المغربية، وبقيت تصلني لباريس بعد ترك المملكة المغربية ولفترة طويلة كنوع من المودة، ثم توقفت.: "كتبتُ مقالات ولم أكتب تقارير وشاية. لقد دافعت عن الموهوبين، ذلك الزمان الغريب حين كان الشرف البسيط يُسمى جرأة". اتهم والده بالميل البروجوازي لأنه لم يرتد ربطة عنق كما قابلته قبل عقدين بالقميص السبور وبدون ربطة عنق أيضا. هو وسيم، أعني - كان -. من مواليد 1933رياضي أنيق، عنده عجرفة تراها في حركة شفتيه وهو يقلبها حين نجلب أمامه اسم الشاعر الفلاني، كما عندنا بالضبط!! اليوم، يقدمه المترجم قائلا: "كتب هذه السيرة وتجربته الشعرية برقة الشاعر ودقة الناقد، بأناقة أسلوب القاص والروائي ورشاقة توضيب الفنان السينمائي، بحماسة المناضل الثوري وفراسة المواطن الشعبي".
- 3-
يومها قلت له: إننا نتشابه، أعني كشعبين وأستطيع كثيرا أن أدل بجميع حواسي على بعض شخصيات ديستويفيسكي التراجيدية والجنائزية وكأنه كان يكتب عن سيرة شخصيات عراقية اعرفها؛ أرواحها لائبة وتعاساتها يقينية وسأمها وجنونها مشهود لها. كنت أثبّت كلامي بأسماء روايات وشخوص: الممسوسون، الأبالسة، ورواية المراهق الخ وفي رأسي صورة الجيل العراقي، ذاك الذي يعرف بعضنا البعض الآخر.
"القصائد تترجم بشكل رديء، ولأنه في الغرب، بدلا من معرفة أنتاجي، تُعرف بعض المقالات التي تعطي صورة مخالفة كثيرا للواقع فهناك عدد كبير من السوفييت يكرهون مثلي بحماسة كل ما أنا أناضل ضده. لكن، بالنسبة للفنانين، كانت مدائحهم لستالين انعكاسا لمأساتهم الداخلية أكثر مما هي تعبير عن الدناءة". أظن كنتُ واحدة من ملايين البشر المستقلين التي شعرت بإحباط ويأس لذاك الانهيار المدوي للاتحاد السوفييتي. تصورت أن هناك من غدر بنا وتركنا للعتمة، حتى ونحن نعرف أن الإبادات المروعة التي حصلت مازالت لليوم تثير الرعب. ظهر غورباتشوف يقص شريط التلاشي الكوني أمام شاشات العالم، وقتها كانت الصور تشي بما سنواجه من الويلات والغصص لنا جميعا كشعوب بعدما تم احتجاز العالم من قبل تلك القوة الغاشمة التي توجت أفغانستان بالغزو أولا، ثم تم احتلال العراق برمته: "لقد لاحظت أن الناس الأشرار يشكلون في الغالب جبهة مشتركة حتى لو كانوا يكرهون بعضهم بعضاً، بينما الناس الطيبون أكثر انقساما ولهذا السبب بالذات هم أكثر ضعفا".
@@@@@
اليوم لا أعرف في أي أرض يعتزل ذلك الروسي الكهل؟ لم يستلطفه الكثير من جيل عراقي محتدم بأقصى درجات العدمية ما بين ستينيات وسبعينيات القرن الماضي حتى انهيار الجبهة الوطنية، التي بدورها لم تكن إلا هدنة مراوغة سجلت خبث وغدر واستعلاء كل من نظام حزب البعث والحزب الشيوعي العراقي سويا، وما بينهما، كان ذلك الجيل الذي لا ينسى، يخزّن السهاد والتبغ، الفن والعشق، الجنون والأذية التي كنت أشاهدها تقفز من تحت إبط كل واحد منهم ضد الآخر. عموم ذلك الجيل أُهين وتم اذلاله وحاولت الدكتاتورية تدجينه من جانب، ومن الجانب الآخر كانت تراتبية الحزب/ والأحزاب وبدون استثناء قد أكملت دائرة القهر عليه فتفرقوا أيدي سبأ ما بين ميراث القبيلة وجبة الطائفة وشعارات وتطبيقات بوليسية للماركسية، وأخيرا، وفاء حرفي تام لصيغة أنموذج للاحتلال الأمريكي. مازالت كلمات واحد من شعراء وكتاب ذلك الجيل تجافي النسيان، وهو حي يرزق ويعيش في دولة أوروبية: يفتوشينكو ذاك الغشاش الصغير المنتحل دور الضحية لكي يتوج بطلا في المعسكر الامبريالي. لماذا لا تصدقين تلك الوقائع... ها.. لماذا؟ لسبب شخصي وأدبي لا أفوّت على نفسي وقبل التاسع من نيسان 2003ولليوم فرصة تعداد أسماء ذلك الجيل العراقي، الأشخاص والوجوه "بعضهم" بالطبع، ملامحهم وأمزجتهم المتقلبة والمتناقضة، مازالت ماثلة أمام أعيننا تحثنا على تدوين الملاحظات والاستنتاجات وعلى نحو خاص، بعض الخفايا والألغاز التي لم تعد محبوكة جيدا لكي يتم حلها حتى، "ثمة شعراء يصر بعضهم على الكتابة، حتى عندما لا تعود حياتهم تطابق شعرهم فينتقم الشعر منهم بالتخلي عنهم".


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.