نعم. إنها تتمدّد. ربما على طريقة القول الشهير غاليليو غاليلي «نعم. إنها تدور». همس غاليليو بتلك العبارة، لكن من الصعب الحديث همساً عن ظاهرة تلفزة الإنترنت. إنها تصرخ بالجميع. وتصرخ بوجه أهل التلفزة قبل غيرهم: «انتبهوا. هناك زمن آخر قادم. ربما كانت نهاية التلفزيون أقرب مما تعتقدون». ربما كان أول الغيث «نت فليكس» Netflix التي قادت تلفزة الانترنت إلى قلب الميديا المرئيّة- المسموعة، قبل سنتين. وعلى مسرح «نوكيا» في وسط مدينة «لوس أنجليس» الأميركية، أدخل موقع «نت فليكس» الانترنت إلى قلب فن التلفزة التي كانت تحتفي بنفسها عبر «جائزة إيمي» التي تعتبر موازية لجوائز الأوسكار في فن السينما. وحينها، في عام 2013، أضيفت جائزة لفن المسلسلات المصنوعة خصيصاً لتلفزة الانترنت. وحصد موقع «نت فليكس» الترشيحات الثلاثة لهذه الجائزة عبر مسلسلات «بيت أوراق اللعب» House of Cards (فاز بالجائزة)، و«ممر هِملوك» Hemlock Grove و«تطوّر مقموع» Arrested Development. عن البث التدفقي في ربيع 2014، تهاطلت كزخّات المطر الأخبار عن سعي شركات المعلوماتية والاتصالات، وضمنها الألعاب الإلكترونية، إلى دخول حقل تلفزة الانترنت. إذ أعلنت شركة «أمازون.كوم» الشهيرة، وهي مكتبة إلكترونيّة توسّعت نشاطاتها لتشمل الميديا الرقميّة بأنواعها، أنها اشترت حقوق إعادة بث جميع حلقات المسلسل التلفزيوني «24» بتقنيّة البثّ التدفقي عبر الشبكة «أون لاين فيديو ستريمينغ» On Line Video Streaming. ولم يفت الصحافة الأميركية ربط هذا الإعلان عن سعي «أمازون.كوم» لمنافسة «نت فليكس». وفي منافسة مشابهة، أعلنت شركة «سوني» للإلكترونيّات (تذكيراً، هي تملك أيضاً استوديوات ضخمة في هوليوود لصناعة الأفلام)، أنها تعتزم تحويل قصة «باورز»، وهي من ال»كوميكس» المصوّرة الشهيرة عن أبطال خارقين، إلى مسلسل تلفزيوني على الانترنت، لمنافسة «نت فليكس». وفي خطوة جريئة، أوضحت «سوني» أنها تعتزم صنع مسلسلها على طريقة الألعاب الإلكترونيّة، بل ستنتجه في نُسخٍ مُعدّلَة بما يتلاءم مع جهاز الألعاب الإلكترونيّة «بلاي ستايشن». ويفتح الخبر باباً لنقاشات واسعة عن العلاقة بين فنون الترفيه البصري والألعاب الإلكترونيّة! وفي تلك الآونة عينها، أكّدت شركة «ياهوو»، وهي احتفلت بعشرينيتها في مطالع هذه السنة، أنها ترغب في تعزيز صناعة المحتوى المرئي- المسموع لديها، عبر إنتاج 4 مسلسلات تلفزيونية دفعة واحدة. وبيّنت «ياهوو» أن كل مسلسل يحتوي عشر حلقات، مدة كل منها نصف ساعة، بل خصّصت مليون دولار لهذه الخطوة العملاقة. وتكراراً، ربط المهتمون بالشأن التقني خطوة «ياهوو» بالمنافسة مع شركة «نت فليكس». وفي خطوة أشد جرأة، أعلنت «ياهوو» أيضاً أنها بصدد شراء خدمة «نيوز ديستريبيوشن نيتوركس» News Distribution Networks، ما يمكنها من نشر المحتوى المرئي- المسموع بصورة قويّة. وتحمل هذه الخطوة ملامح احتدام المنافسة مع «نت فليكس»، لكنها توسّع ساحة الصراع ليشمل المنافسة مع «يوتيوب»، وهو أرشيف التلفزيون على الانترنت، إضافة إلى تعزيز البعد الاعلامي الإخباري في «ياهوو». ويفرض الأمرين الأخيرين («يوتيوب» والأخبار) نقاشاً منفصلاً. أول الغيث... مرآة إلى أين يذهب التلفزيون المهيمن حاضراً على مشهدية الميديا العامة؟ أين تحلّ شاشة البث الفضائي إذا طردتها تلفزة الانترنت من موقعها المكين في قلب الصناعة البصرية؟ ربما تذهب إلى... المرآة! لم لا؟ في الأصل، هناك خيوط قوية بين التلفزيون والمرآة كأن يوصف التلفزيون بأنه «مرآة الواقع» أو أنه «شاشة التي تنعكس عليها صورة الزمن والمجتمع»، بل حتى بالتجربة البصرية الساذجة المباشرة يقترب مظهر التلفزيون من المرآة. لم لا يدخل إليها؟ لم لا يضع تماهيه معنوياً ورمزياً معها، قيد التحقّق المباشر؟ حسناً: الأمر تحقّق فعليّاً. فباستعمال تقنيّة كهرباء «ليد» الخفيفة، ظهرت مجموعة من المرايا التي تتضمن مربّعاً مخصّصاً للتلفزة فيها. يميل كثيرون لتسميتها «مرآة التلفزة» («تي في مريور» TV Miror). وتصنع بأيد شركات بعضها متخصّص حصرياً بها، كشركة «سيورا» Seura، وبعضها الآخر ينتجها في سياق مبتكراته الرقمية كشركة «سامسونغ» الشهيرة. وفي مجموعة كبيرة من سلاسل الفنادق الكبرى، ك»فور سيزونز» و»هايات» و»ريتز- كارلتون»، تحلّ التلفزة الفضائيّة في مرايا، خصوصاً مرايا الحمام. لا تهدف الكلمات إلى افتعال الطرافة، بل تلفت إلى مسار ربما ليس متفرّداً، كما قد يبدو للوهلة الأولى. ماذا حلّ بالراديو عندما طرده التلفزيون من موقعه المكين بوصفه كان في مركز القلب من الميديا والإعلام العام؟ إلى أين ذهب الراديو عندما لم يعد المنصة الاعلامية التي تصنع السلطة عبر البيان الأول لعسكر الانقلابات، ولم يعد الجهاز الذي يتجمع الجمهور حوله لسماع سهرة «الست أم كلثوم» في أول جمعة من الشهر؟ حين غادر الراديو منصب الرئيس في الميديا، ذهب إلى... كل مكان!