بدأ العام أميركياً على صخب الاحتفالات والضجة السياسية التي صاحبت وصول الرئيس باراك أوباما الى البيت الأبيض، محملاً داخلياً بوعود التغيير والنمو الاقتصادي وإرساء وحدة الصف بين الديموقراطيين والجمهوريين والمستقلين، ليصطدم ومنذ بداية الطريق بواقع سياسي واقتصادي معقد ومملوء بالمطبات من أروقة صنع القرار في واشنطن الى مصانع ديترويت ومرافئ نيو أورليانز الرازحة تحت الأزمة. أوباما، الذي وصل البيت الأبيض بشعبية تتخطى ال65 في المئة وزخم لم تشهده البلاد منذ انتخاب جون كينيدي، اعترضته ومنذ اليوم الأول تحديات جمة من اقتصاد على شفا الانهيار بعد أزمة السوق المالي، ونسب بطالة تخطت العشرة في المئة في بعض الولايات، وعجز في الموازنة، ساهمت كلها باختصار شهر العسل الرئاسي والحد من شعبيته بوصولها ومع نهاية العام الى 50 في المئة (استطلاع «غالوب»). ويشير نك رحال، النائب اللبناني الأصل عن ولاية ويست فيرجينيا، الى أن أولويات الأميركيين انقلبت رأساً على عقب هذا العام وتحولت من «هم الارهاب والأمن القومي وحربي العراق وأفغانستان» التي هيمنت على ولايتي بوش (2000-2008) الى «الوضع الاقتصادي والوظائف وحل أزمة وول ستريت». ويرى رحال الذي عاصر ستة رؤساء أميركيين منذ انتخابه في 1977، أن أوباما نجح وبرزمة الضخ الاقتصادي الأولى ومن ثم زيادة الرقابة على المصارف وإجراءات أخرى، باحتواء الأزمة ومنع انهيارات شاملة، وبالتعاطي بذلك مع هموم المواطن العادي بدل هموم رؤساء «وول ستريت». وإذ جاءت موافقة الكونغرس منذ أيام على خطة الضمان الصحي كالانجاز الأكبر للبيت الأبيض، نوّه رحال في حديث الى «الحياة» بنجاح أوباما في اعادة «الاحترام الى سمعة أميركا» في العالم، ومعاكسة إرث الرئيس الأسبق جورج بوش في «الأجندة الاقتصادية وفي سياسة الانخراط مع الحلفاء والخصوم والسعي الى تكريس نهج ما قبل 11 أيلول (سبتمبر) 2001 دستورياً» بالعمل على اغلاق معتقل غوانتانامو والسجون السرية وإطلاق مبادرات ديبلوماسية في عملية السلام، والملف الايراني وفي تصحيح العلاقات مع أميركا اللاتينية. ويسجل النائب رحال لأوباما إنجازاته الأكبر في تحسين سمعة الولاياتالمتحدة وإعادة مد الجسور مع العالم. ويشير الى أنه شخصياً لمس هذا التغيير في لقاءاته مع الجالية العربية - الأميركية التي انتخبت بأكثريتها أوباما ومع قيادات أجنبية تزور الولاياتالمتحدة بينها الرئيس اللبناني ميشال سليمان الذي نوّه برصيد الرئيس الأميركي وانفتاحه على الحوار والسلام خلال لقائهما في البيت الأبيض. ويعتبر رحال أن الادارة الجديدة نجحت وفي وقت قصير في فتح صفحة جديدة مع المجتمع الدولي، خصوصاً مع «العالم العربي والاسلامي في خطاب القاهرة وفي إعطاء كم هائل من الوقت لعملية السلام». ولا يؤيد رحال الرأي القائل إن أوباما فشل في جهود السلام بسبب عدم نجاح المبعوث جورج ميتشل في استئناف المفاوضات الاسرائيلية - الفلسطينية حتى الآن ويلفت «الى أن هناك الكثير مما يحصل خلف الكواليس، والادارة وميتشل يحققان تقدماً». ومع موافقة الكونغرس على خطة الضمان الصحي الأضخم منذ خمسينات القرن الماضي، ستحرص الادارة على إيلاء مسألة البطالة الاهتمام الأكبر في المرحلة المقبلة خصوصاً مع اقتراب الانتخابات النصفية للكونغرس الأميركي في تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل. وحملت انتخابات مجالس حكام ولايتي نيوجيرسي وفيرجينيا هذا العام إنذاراً مبكراً للديموقراطيين بعد خسارتهم الولايتين وبسبب وطأة الأزمة الاقتصادية. غير أن رحال لا يرى في انتخابات حكام الولايات مؤشراً لانتخابات الكونغرس ويتحدث عن الأولويات المختلفة للناخبين بين التجربتين. فمن ناحية يرى النائب أن «انتخابات الكونغرس تحمل طابعاً وطنياً ويكون التركيز على الأداء الرئاسي»، ومن هنا خسارة الجمهوريين مجلس النواب ثم مجلس الشيوخ خلال ولايتي بوش، أما انتخابات حكام الولايات فتحمل بحسب رحال طابعاً محلياً وقضايا مرتبطة في شؤون فيديرالية داخل الولاية. من هنا يبدي ثقة كبيرة في الحزب الديموقراطي ويبدو واثقاً من حظوظ الحزب في الحفاظ على أكثريته في المجلسين. وتعطي مظلة الحزب الديموقراطي الواسعة الاطار ديموغرافياً مؤشرات تفاؤل للإدارة، وكون الحزب نجح في استقطاب أصوات الأقليات، خصوصاً الأفارقة الأميركيين والأميركيين من أصل لاتيني. وجاء تعيين أوباما القاضية سونيا سوتومايور كأول وجه لاتيني في المحكمة العليا ليعزز حضور الحزب في تلك الأقلية، كما أفاد تعيينه وزيرين من الأقلية الآسيوية - الأميركية. وتقابل هذه الصورة، قفزة الحزب الجمهوري نحو اليمين المتشدد، وبروز نجومه من القاعدة المتشددة لليمين، والتي تتصدرها اليوم حاكمة ولاية ألاسكا سابقاً والمرشحة السابقة لنائبة الرئيس سارة بايلن ونائب الرئيس السابق ديك تشيني، ووجوه اعلامية مثل غلين بك وراش ليمبو اللذين اتُّهِما هذا العام بتأجيج العنصرية في تناولهما الرئيس أوباما. وإذ يتوقع رحال تحسناً أكبر في الوضع الاقتصادي في شكل سيساعد الديموقراطيين، تضع الأرقام والدورة البطيئة للخروج من مرحلة الركود الادارة أمام تحد بارز في المرحلة المقبلة. إذ ومن دون هبوط محوري في نسب البطالة، قد يواجه أوباما اللعنة نفسها التي حلّت بالرئيس السابق بيل كلينتون، بعد خسارة حزبه الأكثرية في الكونغرس عام 1994 وفُرضت عليه مرحلة تعايش مع الجمهوريين في السنوات الست التي بقيت لحكمه.