طمأن قادة المصارف العربية دول المنطقة، إلى أن القطاع لديها لم يتأثر حتى الآن بتداعيات أزمة المال العالمية، بالحجم الذي تأثرت به المصارف العالمية، حيث دفعت بعض أكبر البنوك إلى إعلان إفلاسه أو الحصول على دعم من الحكومات. وقدر كبار المسؤولين في اتحاد المصارف العربية، إجمالي الخسائر التي تكبدها القطاع المصرفي العربي، منذ انتقال الأزمة إلى المنطقة الخريف الماضي، بنحو 2.7 بليون دولار، ما يمثل نحو واحد في المئة من إجمالي موازناتها الذي يبلغ 2.1 تريليون دولار. وأكد أعضاء مجلس إدارة اتحاد المصارف العربية، الذين اجتمعوا في دبي أمس، لدرس كيفية التخفيف من حدة انعكاسات أزمة المال العالمية على القطاع المالي العربي، أن مصارف المنطقة لا تزال تحتفظ بسيولة كبيرة، تشكل نحو 50 في المئة من موازناتها، لكنها توقفت عن منح قروض إلى المشاريع وتمويلها «تحوطاً» من اشتداد الأزمة ودخول العالم مرحلة كساد اقتصادي طويل. وكشفت مؤشرات الربع الأول من السنة الحالية، أن تراجع أرباح المصارف العربية، عددها 482 مصرفاً، كان محدوداً، لأن استثمارات هذه المصارف في الخارج لا يتعدى 3 في المئة من إجمالي موازناتها، ما خفف من آثار تداعيات الأزمة عليها. وقدر المصرفيون العرب، نسبة الملاءة المالية لدى مؤسساتهم بين 12 و20 في المئة، أكبر بكثير من مستوى متطلبات «بازل» التي تحدد الملاءة المالية للمصارف بنحو 8 في المئة. وأشار رئيس مجلس إدارة اتحاد المصارف العربية عدنان يوسف، الى ان صافي أرباح البنوك العربية خلال 2008 تجاوز 35 بليون دولار. وعلى رغم التطمينات التي قدمها أقطاب القطاع المصرفي العربي، فإنهم لم ينكروا خشيتهم من التأثر بشدة في حال استمرار الأزمة، ودخول الاقتصاد العالمي مرحلة كساد اقتصادي عميق. وتوقع الرئيس التنفيذي لمصرف «دويتشه بنك»، هنري عزام، ان تكون دورة الكساد الاقتصادي العالمي أطول بكثير مما يتوقعه البعض. وأشار الى ان خسائر الاقتصاد العالمي تجاوزت 35 تريليون دولار، ما يشكل 50 في المئة من الناتج المحلي العالمي. ولم ينكر المشاركون في «مؤتمر اتحاد المصارف العربية»، ان المصارف الخليجية تأثرت أكثر من غيرها من مصارف المنطقة، بسبب انفتاحها على الغرب. واتهم أقطاب الصناعة المصرفية العربية، النظام المالي العالمي في التسبب باندلاع الأزمة التي وصفوها بأنها أخطر وأعمق أزمة في التاريخ، وذلك من طريق التركيز على «التوريق المصرفي» والتمويل بالقروض والمنتجات المهيكلة التي أدت إلى الابتعاد عن الاهتمام بقطاعات الاقتصاد الحقيقية، مثل الصناعات التحويلية والزراعة والخدمات اللوجستية والبنية الأساسية. وطالب رئيس «المجلس العام للبنوك والمؤسسات المالية الإسلامية» الشيخ صالح كامل، اتحاد المصارف العربية بدعم فكرة إنشاء مصرف مالي كبير قادر على التمويل وتحريك عجلة الاستثمار في المنطقة، قبل ان تدخل الدول العربية مرحلة كساد وبطالة بسبب تسريح الموظفين. وأشار إلى أن نحو 10 مصارف خليجية، تسعى حالياً إلى تأسيس مصرف إسلامي كبير برأس مال يتجاوز 10 بلايين دولار، بهدف الإفادة من الاهتمام المتزايد بالمؤسسات التي تطبق الشريعة الإسلامية. ونصح كامل دول المنطقة بالاستثمار في «الاقتصاد الحقيقي المنتج بدلاً من الاستثمار المالي الورقي والمشتقات والخيارات والبيع على المكشوف التي أثبتت أن ضررها أكثر من نفعها». وكشف أن حكومات غربية بدأت تستشير المؤسسات الإسلامية العربية في أساليب تبني الصيرفة الإسلامية، كبديل للصيرفة الرأسمالية أو الاشتراكية. وأكد أن «المجلس العام للبنوك والمؤسسات المالية الإسلامية، يجري اتصالات حالياً مع مؤسسات غربية لاطلاعها على تفاصيل النظام المالي الإسلامي. وقدم كامل إلى اتحاد المصارف العربية توصيات تحميها من تداعيات الأزمة، أهمها الحد من الإفراط في المداينات وبيع الديون وتوريقها، وبناء نظام مصرفي مرتبط بالاقتصاد الحقيقي، ومحاولة إحداث توازن بين الصيغ القائمة على مبدأ المشاركة في الربح والخسارة، إضافة إلى بناء نظام نقدي يعتمد على وسائل للدفع أكثر عدلاً واستقراراً، وتطوير أدوات فعالة لإدارة الأخطار، وتفعيل دور الدولة في رعاية النظام النقدي والمالي والرقابي على المعاملات والأسواق لتحقيق التوازن. أما نائب رئيس جمعية المصارف في الإمارات احمد حميد الطاير، فأشار إلى أن أزمة المال العالمية، فرضت على المنطقة تحديات كبيرة، أهمها ضرورة ربط عملاتها بسلة عملات، بدل الاعتماد على الدولار، الذي أصبح «محل شك». وشكك الطاير في نزاهة التقارير والمعايير الدولية، التي وصفها بأنها أحد الأسباب الرئيسة لاندلاع الأزمة المالية ، على اعتبارها «أدت إلى المبالغة في انكماش القيمة، وسلطت الضوء على المسائل المتعلقة بكفاية رأس المال. وتوقع الطائر ان تحقق المصارف في الإمارات أرباحاً خلال الربع الأول، مؤكداً أن عملية الإقراض مستمرة في الدولة، على رغم التباطؤ الاقتصادي العالمي.