اتجهت الأنظار أمس، إلى الساحة الحمراء في موسكو التي شهدت عرضاً عسكرياً بمناسبة الاحتفالات بالذكرى ال70 للنصر على النازية، وصف بأنه «الأضخم» في تاريخ روسيا. وحذّر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في مستهله من خطورة «تجاهل دروس التاريخ» مذكّراً بأن شعوب الاتحاد السوفياتي دفعت الثمن الأغلى لمواجهة «مغامرة ألمانيا النازية». وحمل العرض الذي وصفته وزارة الدفاع أنه الأول من نوعه في تاريخ البلاد لجهة ضخامته، مغزى سياسياً على خلفية المواجهة مع الغرب ومقاطعة زعماء أوروبا والولايات المتحدة. بينما حضر ممثلون لأكثر من 30 بلداً بينهم زعماء الصين والهند وجنوب أفريقيا وفيتنام ومصر وزيمبابوي وكوبا ومقدونيا ومنغوليا وفلسطين وسلوفاكيا والبوسنة والهرسك وأبخازيا وأوسيتيا الجنوبية وقبرص وصربيا والتشيخ، إضافة إلى الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون والمدير العام لل «يونيسكو» إيرينا بوكوفايا، ومثل بريطانيا حفيد وينستون تشرتشل، رئيس الوزراء البريطاني إبان الحرب العالمية الثانية. وشارك في العرض حوالى 16 ألف عسكري و190 قطعة من المعدات الحربية و150 طائرة ومروحية. وعرض الجيش الروسي نماذج حديثة من صواريخ «يارس - 24» و»توبول» العابرة للقارات، ودبابات وعربات المشاة القتالية الحديثة «أرماتا»، والعربات القتالية «كورغانيتس» و «راكوشكا» و «تايفون»، والطائرات المقاتلة «سوخوي» و «ميغ»، وقاذفات القنابل الاستراتيجية «توبوليف»، والمروحيات القتالية «مي» التي تطلق عليها تسمية «صياد الليل»، و «كا 52» الملقّبة ب «التمساح.» كما سارت في طابور العرض عشرات القطع العسكرية من القوات المسلّحة لرابطة الدول المستقلة ودول أخرى صديقة، منها أذربيجان وأرمينيا وبيلاروسيا وكازاخستان وقرغيزيا وطاجكستان والهند ومنغوليا والصرب والصين. ويُعد هذا الإجراء سابقة إذ درجت العادة على مشاركة وحدات من قوات بلدان الجمهوريات السوفياتية السابقة فقط. كما سجل بوتين سابقة أخرى للعرض عندما أدخل تعديلاً على برنامجه، ودعا المشاركين للمرة الأولى إلى الوقوف دقيقة صمت حداداً على أرواح ضحايا الحرب العالمية الثانية. واستهل خطابه بتوجيه تحية ل «بطولات من ضحوا بأرواحهم لسحق القوة النازية الطاغية»، معتبراً أن «مغامرة هتلر كانت درساً رهيباً للإنسانية جمعاء». وقال بوتين إن «التاريخ بعد مرور 70 عاماً على الانتصار يدعو إلى التيقّظ وعدم النسيان أن أفكار التفوق العرقي والاستثنائية أدت إلى هذه الحرب الأكثر دموية التي شارك فيها أكثر من 80 في المئة من البشرية وتم فيها الاستيلاء على بلدان عدة في أوروبا، فيما تحمّل الاتحاد السوفياتي أكثر الضربات قساوة من قبل العدو وشهدت أراضيه المعارك الحاسمة». وفي إشارة لا تخفى إلى المواجهة الحالية مع الغرب، واتهامات روسيا لقوى غربية بأنها تحاول تشويه التاريخ والتقليل من أهمية الدور الروسي في صناعة النصر على النازية، قال بوتين أنه «أينما تواجد قدامى الحرب العالمية الثانية والوطنية العظمى عليهم أن يتذكروا أننا هنا في روسيا نحترمهم ونفتخر ببطولاتهم وبسالتهم ورجولتهم، ونتذكّر حلفاءنا في النضال ضد النازية ونشكر شعوب بريطانيا وفرنسا والولايات المتحدة على مشاركتها في دحر النازية والقوى المناوئة للفاشية. ونتذكر اللقاء التاريخي لقوات الحلفاء على نهر ألبا، وآباءنا وأجدادنا الذين عاشوا معاناة لا تطاق وعملوا بكامل طاقاتهم، وحاربوا من دون أن يبخلوا بحياتهم، ضاربين أمثلة ساطعة في الكرامة والوطنية الحقيقية من أجل السلام والاستقرار والقيم التي رسخت أسس النظام العالمي بعد الحرب»، مؤكّداً في ختام كلمته أن دروس الماضي «تدفعنا إلى التمسّك بضرورة إقامة نظام عالمي متعدد الأقطاب ومتساوٍ من حيث الأمن للبلدان كلها». وبعد العرض، وضع بوتين ورؤساء الوفود المشاركة باقات زهور على ضريح الجندي المجهول قرب جدار الكرملين. وكان بوتين (62 سنة) حاملاً صورة والده وهو من قدامى المحاربين (أ ف ب)، تقدّم مسيرة في الساحة الحمراء قالت الشرطة أنها ضمت 250 ألف شخص، إحياء لذكرى «حماة الوطن» ممن قاتلوا ألمانيا النازية. وقال: «أنا سعيد بأن والدي الذي أحمل صورته، معي اليوم في الساحة الحمراء. أعتقد أنه مثل ملايين الجنود البسطاء، وقد كان جندياً عادياً، له كل الحق في أن يسير في هذه الساحة. وأكد بوتين أن المسيرة هي للجنود والمدنيين الذين قتلوا في البلاد، كما أنها مؤشر على قوة روسيا «وتتحدث عن ثقتنا بأنفسنا وثقتنا بقوتنا وبالمستقبل السعيد لأطفالنا». وقد سار المشاركون يحملون صور أقاربهم من قدامى المحاربين في شارع تفيرسكايا وسط موسكو، قبل أن يصلوا إلى الساحة الحمراء.