الفرق بيني وبين الزميل حازم صاغية أنه يكتب وأنا أمارس. وصلت الى بيروت في 17 من هذا الشهر، وانتقلت مباشرة الى حفلة خاصة غنت فيها الحسناء الظريفة اللطيفة نانسي عجرم. وفي اليوم التالي ذهبت الى معرض الكتاب واشتريت آخر مؤلفات الزميل العزيز وكان بعنوان «نانسي ليست كارل ماركس». ربما كان ما يوثّق علاقتي بحازم صاغية أنني لا أتفق معه في السياسة على شيء، وهذا أفضل من أن نتفق لأننا لو فعلنا لما وجدنا موضوعاً نناقشه. وحازم الذي تنقل بين الأحزاب كلها قبل أن ينبذها كافة يعرف دقائق السياسة العربية ويضيف إليها من ثقافة موسوعية وعناد متأصل ما يجعل محاولتي إقناعه برأي نوعاً من العبث، لذلك أكتفي بأن أغيظه بنانسي عجرم التي سمعتها تغني في بضع عشرة حفلة خاصة كانت أولاها في عمّان في زفاف ابن أحد الأصدقاء وعمرها 19 سنة. وهي جلست الى طاولة بيني وبين أخي الباشا طاهر المصري، وعندما علمنا أنها لم تودع المراهقة بعد قلنا لها أن تعود عندما تكبر وهي فعلت. اليوم وغداً سأراجع عدداً من الكتب التي اخترت من معرض الكتاب في بيروت وبعضها يستحق أن أخصّه بالزاوية كلها، إلا أنني لا أستطيع أن أمضي أسبوعين في نقد الكتب و «يطفش» من بقي لي من قراء. لذلك أوجز وأترك للقارئ أن يختار ما يريد أن يقرأ. حازم صاغية يبدأ كتابه بمقالة عن نانسي عجرم تحمل عنوان الكتاب، وهو في المقالات الأربع الأولى يتحدث أيضاً عن صباح وعبدالحليم وعمرو دياب وإديث بياف، وتعكس المراجعة والمقارنة في المقالات معرفة واسعة بالموسيقى وبالغناء والفن العربي والغربي لم أكن أعرفها فيه. مع ذلك فهو قادر في حديثه عن نانسي أن يقول إنها «تجمع الطفولة والطفلي حضوراً صارخاً...» و «تذكير طفيف بأخوية ما قبل الدفائيليين» و «نانسي بالاكتناز النسبي الذي أبقته لوجهها، تطفل جنسية الشفتين». مثل هذه العبارات لن يجدها القارئ في أي مجلة فنية عربية، وربما غربية. وعندي لحازم والقارئ قصة عن بياف، فقد غنت في كازينو لبنان يوماً واختارت صديقاً وسيماً شاباً كان يعمل في صالة الألعاب «بوي فرند» لأيامها في بيروت. وعاتبناه لأنها مسنّة، وقال ان في مصاحبتها شيئاً من رفعة المقام Prestige لشهرتها، وهو يريد أن يضيفها الى سجله في العمل CV. وانتقل الى الزميل الشاعر محمد علي فرحات، فهو أهداني كتابه الجديد «كتاب الإقامة» الصادر عن دار النهضة العربية، وهذا مجموعة نثرية تقارب الشعر، عن سنوات الحرب في لبنان، كان يمكن أن تحمل توقيع أمين نخلة لو عاش تلك الحرب. محمد فرحات ينتقل من القرية الى المدينة وبعض صوره موجود في «ألبوم» ذاكرتي. عندما يتحدث عن بخّور مريم زهرة البراري، وجنّة المخدرات، جارة الصخور البيض. مع الأزهار تأتي، وترحل عندما تقسو الشمس على حرائر الأرض وتمتصّ الرواء... أو عن التين، فاكهتي المفضلة، فيقول: «المنتهى عسل في وعاء القش، في مؤونة الشتاء، في منفى الجسد، والمبتدأ أزرار خضراء في الربيع الندي». هناك سطور عن «التحصيلدار» وهي كلمة تركية تعني جامع الضرائب، وهذا ما لم أعرف في تجربتي القروية، إلا أنني حتماً عرفت «الجليلاتي» الذي يلبس الحمير حلّة جديدة فتنتظر القرية مجيئه. ومن حازم ومحمد الى صديق آخر هو الإعلامي والشاعر زاهي وهبي وكتاب جديد له هو «راقصيني قليلاً» ذكّرني بين صفحة وصفحة بكتابه السابق «لا أريد لهذه القصيدة أن تنتهي». زاهي في دائرة الضوء عبر برامجه التلفزيونية الذائعة، والضوء ينير، إلا أنه أحياناً يبهر ويعمي وقد يحجب الرؤية عندما تغلب الشهرة الإعلامية على عمق الحسّ الوطني والانتماء والالتزام التي تحرك وجدان زاهي وهبي. قبل أسابيع كانت له في «الحياة» مقالة عن فلسطين والقدس تحكي عنه كما لا يفعل أي برنامج تلفزيوني، وفي «راقصيني قليلاً» هناك كثير لا علاقة له بالرقص، وقد أعاد إليّ في قصيدته عن محمود درويش ذكريات خاصة عن هذا الصديق الموهوب الوطني الخفيف الظل في آن. هو يقول في بدئها: صعب عليّ الغناء وحيداً صعب عليّ البكاء دمعتي حجر وجهي سَقْط مِتاع لكن الورد في لغتي كذلك العشاق. [email protected]