قبيل فجر أول من أمس بساعات كان حارس الحدود العتيق عبده قيسي (65 عاماً) يحكي لزوجته (54 عاماً)، قصصه ومواقفه على مدى عقود قضاها على الحد الجنوبي لوطنه، ولم يكن يعلم أثناء روايته أن قذائف الميليشيات الحوثية تقترب من سقف منزله، وتخترق هدوء «ليلته الأخيرة»، فما أن انتصفت تلك الليلة، حتى سقطت قذائف هاون عدة فوق بيته، لتمزق كل الذكريات الجميلة في أركانه، ويقطع دويها «حديث الحدود الأخير»، ويكتب نهاية قصة قضى عمره أحد أبطالها، العريف في حرس الحدود المتقاعد «عبده قيسي»، تقاعد من حراسة الحد قبل أعوام، ليرتاح في بيته بقرية البحطيط أخيراً، ولكن النيران الحوثية لاحقته في وسط داره، وإلى جوار شريكة عمره في ليلة عنوانها «الحديث الأخير». قيسي وزوجته تساقطت كل معالم منزلهما الواقع على مسافة قريبة من الحدود السعودية - اليمنية إلى جوار جثمانيهما، وبقيت أريكة السمر والذكريات شاهدة على وجع الموت وأنين الألم «الأخير»، لتحكي لكل من يقف على ركام منزلهما قصة مواطن خدم بلاده على حدودها، ونجا من نيران أعدائها لأعوام، وغدرت به إحداهما أثناء راحته. يحيى قيسي (من أقارب الشهيدين) قال ل«الحياة»: «خالي عبده وزوجته توفيا وهما جالسين وسط منزلهما في جلستهما الخاصة، والدماء تحيط بهما من كل جانب، بعد أن سقطت القذائف وهدمت البيت بالكامل». ظل حارس الحدود عبده قيسي يحرس حدود بلاده لعقود من الزمن، يقف شامخاً على جبالها الجنوبية، يهرول هنا، ويقف هناك، يرقب تلك النقطة، ويصعد ذلك الجبل، يدعم زملاءه، ويرفع من معنوياتهم في كل مواقعهم الوعرة، يشعل حماسه حب الوطن، ويخمد بنيران بندقيته لهيب الأعداء والمتربصين.