كشف سوريون فارون من اليمن ل«الحياة» عن استغلال القيادة الحوثية للأطفال والفتية في معاركها، بتسليحهم بأسلحة خفيفة وشبه ثقيلة، وتكليفهم بمهمات «قمع» و«تصفية» عشوائية للمدنيين. وروى نازحون سوريون وصلوا إلى جازان (جنوب السعودية)، ما رأوه في طريقهم إلى الحدود السعودية من ويلات وأهوال، وكيف كان فتية تابعون لميليشيات الحوثي يضعون نقاط تفتيش في شوارع المدن والطرق الخارجية، ويفتشون الحافلات بحثاً عن مواطنين غربيين أو مصريين لاعتقالهم وقتلهم. ويروي أحد النازحين السوريين، كيف همّ أحد فتية الحوثي المسلحين (لا يتجاوز عمره 16 عاماً) بقتل شاب سوري في إحدى الحافلات لاعتقاده أنه «مصري الجنسية»، ولم ينقذ الشاب سوى جواز سفره السوري. وحكى نازحون سوريون إلى السعودية ل«الحياة» قصص الرعب والألم والدمار، ووصفوا المعاناة التي عاشوها في طريقهم على منفذ الطوال الحدودي، حيث اتجهوا لائذين بالفرار من جحيم البطش الحوثي، وانعدام الظروف الإنسانية للحياة في مدن اليمن. وأكد بضعهم أنهم تعرضوا للابتزاز من عناصر تابعة لميليشيات الحوثي عند النقطة الحوثية الأخيرة قبل دخولهم السعودية، بإجبارهم على دفع أموال في مقابل تجاوز النقطة الحدودية الحوثية. ووصل الأمر بعناصر الحوثي إلى التهديد - بحسب نازحين - بإعادة رضيع لا يتجاوز عمره الشهر إلى صنعاء، إذا لم يدفع والده 8 آلاف ريال يمني (نحو 200 ريال سعودي). وطالب نازحون سوريون الحكومية السعودية بأن تراعي ظروفهم وتسمح لهم بالإقامة في السعودية مع فرصة إيجاد عمل لهم، خصوصاً أنهم عمالة مهنية ترغب في العمل وكسب الرزق. لم يرحموا المولود «مررنا بحال رعب حقيقية زادت من معاناتنا السابقة»، يبدأ المهندس السوري محمد تيسير (41 عاماً) حكاية النجاة بحياته بهذه العبارة، ويقول: «بعد أن أمضيت عامين وسبعة أشهر أعمل في إحدى الشركات التي مقرها صنعاء، عدنا بخفي حنين من دون مال أو مكسب، وكأنني عملت عامين ونصف العام مجاناً». ويشير إلى أن الأوضاع كانت سيئة قبل انطلاق «عاصفة الحزم»، «قبل القصف كان كل شيء معدوماً، خصوصاً الخدمات، وكانت الحياة صعبة للغاية، إلى جانب الاضطرابات السياسية العنيفة، خصوصاً بعد دخول الحوثيين صنعاء». ويبدأ رواية قصته بالقول: «فجأة وعند الساعة الثانية ليلاً، سمعنا ضربات عسكرية مدوية وكثيفة على صنعاء، انتابنا الرعب والهلع أنا وأسرتي المكونة من 7 أفراد. لم نكن نعلم ما الذي يحدث! هل هو انقلاب؟ أم اندلاع معارك بين الفرقاء اليمنيين»؟ ويضيف: «لكننا بدأنا باستيعاب ما يحصل من نشرات الأخبار التي نشاهدها بصعوبة بسبب انقطاع الكهرباء»، لافتاً إلى أنهم اعتقدوا أن العاصفة ستهب لأيام قليلة ثم تنتهي، «أدركنا لاحقاً أن الوضع يتصاعد، فقررنا المضي للحدود السعودية، وبسرعة حجزنا للفور بواسطة حافلة، وغادرنا». كانت رحلة شاقة ونقاط التفتيش الحوثية يديرها أطفال، كما يصفها المهندس تيسير، ويتابع: «لم يعترضونا... خصوصاً بعد علمهم بأننا سوريون». وعند وصوله إلى الحدود اليمنية، أمضى المهندس السوري وأسرته ساعات عصيبة، في ظروف إنسانية سيئة، «كانت الحال صعبة للغاية واستغلونا على رغم ضعفنا وحاجتنا للمال، وأخذوا على كل فرد منا 1000 ريال يمني». حتى الطفل الرضيع لم يسلم من ابتزاز الحوثي، إذ هدد أحد عناصر الميليشيات تيسير بإعادة رضيعه الذي لم يتجاوز عمره شهراً واحداً إلى صنعاء، إذا لم يدفع له 200 ريال سعودي، فاضطر للدفع. وناشد النازح السوري بعد وصوله منفذ الطوال الحكومية السعودية بتوفير فرصة إقامة وعمل في السعودية، وزاد: «كلنا أصحاب مهنة ونحب العمل، خصوصاً في بلد كريم كالسعودية». رعب في عدن لاحظ السوري أحمد رضوان (28 عاماً) قبل هجوم ميليشيات الحوثي وصالح على عدن، حركة مريبة وتأهباً لافتاً بين الشباب البسطاء في أحياء عدن، قبل أن يفاجأ مع مجموعة من الأسر السورية التي تقطن عدن منذ خمسة أعوام، بانقطاع الماء والغاز والكهرباء والخبز. «كل مقومات الحياة اختفت»! بهذه المباشرة يحكي رضوان ما عاناه أهل عدن، يقول: «جعنا وكدنا نهلك، وظللنا نغذي أبنائنا بالبسكويت والعصائر المتوافرة، قبل أن نقرر الرحيل». لكن قرار الرحيل لم يكن ميسراً، فأثناء دخول الحوثيين إلى حي الشيخ عثمان (حيث يقطن)، كان رضوان يبحث عن طعام لأسرته، عندما اندلعت مواجهات عنيفة بين اللجان الشعبية والميليشيات المتمردة. يصف المشهد: «كانت غالبية عناصر الميليشيات من الفتية والأطفال المسلحين بأسلحة متطورة، وصل الاشتباك مع شباب الأحياء في عدن، وما لبث أخي شادي أن أصيب بشظايا قذيفة سقطت على المبنى الذي نسكن». كاد شادي أن يموت، هرع أحمد لنقل شقيقه إلى المستشفى، أثناء ذلك انفجرت قنبلة يدوية بجانب السيارة، «كان الحوثيون يعتقدون إنني خصم لهم، ووسط هذه المعمعة وصلت إلى المستشفى». ولم يكن أمام رضوان سوى القوة لإجبار الطبيب على معالجة شقيقه، فالطبيب كان يهم بالفرار أيضاً مع بقية الطاقم الطبي خوفاً من القصف، «لكنهم أجروا الجراحة لشقيقي، إذ تم تنويمه 3 أيام في العناية الفائقة، وطلبوا مني 4500 دولار كقيمة للجراحة، وبعد جدال طويل سلمناهم 2300 دولار». من هنا بدأت رحلة الفرار من الحرب، استقلت عائلة رضوان حافلة، وانطلقت خارجة من عدن، «كان المشهد مرعباً.. عشرات الجثث من الحوثيين، معظمهم أطفال، ودمار في كل الاتجاهات، وكانت الجثث لا تحصى». هكذا يصف رضوان المشهد. وفي كل نقطة تفتيش تابعة للمتمردين، كانت عناصر من الحوثيين وأفراد من الحرس الجمهوري التابع لعلي صالح يستوقفون الحافلات والمارة، ويسألون: «هل يوجد بينكم مصري أو غربي»؟ كما يروي السوريون النازحون. يكمل النازح أحمد قصة رحلة الهرب من اليمن: «كنا نمضي بشيء من الهدوء حتى وصلنا لمحافظة إب ثم تعز ثم الحديدة حتى اقتربنا من الحدود السعودية، وهنا كانت الفوضى العارمة، وانتشار المسلحين كان عجيباً». لكن ما لفت انتباه ركاب الحافلة أن المسلحين ليسوا سوى أطفال بعضهم لم يتجاوز العاشرة! ومعهم أسلحة ويحملون شعار الحوثيين، حتى أن أحد الفتية المسلحين دخل الحافلة، وكاد أن يعتقل أحمد رضوان «اعتقد أنني أميركي». ويتابع: «أصيبت ابنتي رها ذات الأعوام السبعة بشظايا في رأسها، لكنها سلمت بأعجوبة، ثم تعرضنا لابتزاز شديد على الحدود اليمنية لدفع مبلغ 1000 ريال يمني على كل فرد». ويمضي في حديثه بمرارة: «سمعنا من سوريين قادمين معنا أن الحوثيين قتلوا عائلتين سوريتين في عدن»، إلا أن أكثر المواقف فظاعة بالنسبة لرضوان كانت عندما أطلق أحد الحوثيين عليه النار، وهو يخرج محفظة نقوده، «لكن الله سلم» كما يقول. انطقوا الشهادتين بأعجوبة، أفلت راكان وفادي وصلاح العلي وكمال حسين من الرصاص والقذائف التي تملأ شوارع عدن. شاهدوا أمام أعينهم كيف تقتل رصاصة إنساناً، وكيف تصيب الشظايا جمعاً بأكمله. قالوا إنهم مروا خلال رحلة الهرب مع عائلاتهم بأهوال جسام، حتى أن سائق الباص في إحدى المواقف طلب منهم «نطق الشهادتين». كانت الحافلة تسير بأقصى سرعتها، وسط دوي القنابل وأزيز الرصاص، وأصوات الانهيارات. مرت العائلات الأربع من حيث خرجت (حي الشيخ عثمان في عدن) حتى وصلت الحدود السعودية بعشرات نقاط التفتيش، لكن اللافت بالنسبة لهم، كان سؤال الحوثيين عن وجود مصريين أو غربيين في الحافلة. اضطرت العائلات السورية الهاربة إلى دفع الكثير من المال، لتجاوز الحواجز الحوثية حتى وصلت إلى النقطة الحوثية الأخيرة قبل الحدود السعودية، حيث تعرضوا لابتزاز، وسئلوا عن جنسياتهم ودياناتهم. يقول صلاح العلي (35 عاماً): «أنا وعائلتي المكونة من تسعة أفراد جئنا إلى عدن من طريق المفوضية السامية للأمم المتحدة، التي أهملتنا أشد الإهمال طوال عام وأربعة أشهر، إذ لم يصلنا منها أي مال أو إعانة أو استفسار عن الأحوال، ولم نقبض أي أموال منها باستثناء 400 دولار لحظة وصولنا». ولا يخفي العلي الذي هرب من نار الحرب الشامية ليقع في الحرب اليمنية «عتبه» على المفوضية والمنظمات الإنسانية، التي لم تقدم لهم شيئاً يذكر على حد قوله. ويضيف: «شاهدت معارك دامية في سوق الخضراوات بالشيخ عثمان وبطولات غير عادية لشباب عدن المقاومين، الذين كانوا يواجهون دبابات ومجنزرات المتمردين، ويدمرونها ببسالة قل نظيرها». فوهة نحو الرأس هرب كمال عدنان (43 عاماً) وشقيقه حكمت من عدن في حافلة واحدة، كان يجلسان إلى جوار بعضهما، عندما استوقفت الحافلة نقطة تفتيش حوثية، وصعد فتى من عناصر الحوثي لا يتجاوز عمره 16 عاماً، وصوب البندقية إلى رأس كمال، ليصرخ في وجهه: «أنت مصري»؟ يقول كمال: «قلنا له اتق الله، نحن سوريون وأخرجنا له جواز السفر لإثبات ذلك، ولولا جواز السفر لأطلق النار علي مباشرة، من دون أن يهمه ما إذا كنت مسلحاً أم لا؟». ويضيف: «بلغ سعر دبة الديزل 44 ألف ريال يمني و25 ألف لكيس البر، وكانت الحافلات تعمل ليل نهار، واستقللنا إحدى الحافلات من محافظة إب يقودها سوري إلى الحدود السعودية، وكنا نشاهد الغارات التي لم تستهدف سوى المناطق العسكرية». ليالي صنعاء المرعبة لاذ محمد صالح وأسد أنور ومحمد الخطيب ومحمد نبيل (سوريو الجنسية) بالفرار من أعمدة النار التي تندلع في صنعاء، ومن فوضى الرصاص التي ملأت شوارع المدينة العريقة، التي التهمتها المعارك. رووا ل«الحياة» كيف تحولت ليالي العاصمة اليمنية إلى «ليالٍ من الرعب»، وكيف تنطفئ الحياة في المدينة المكتظة بالسكان مع المغيب. بمجرد أن تقترب عقارب الساعة من السادسة مساء حتى تصمت الشوارع وتغلق المحال ويعود الناس إلى بيوتهم في حال أقرب ما يكون إلى «حظر التجول». حظر وصمت لا يقطعه سوى دوي الانفجارات وهدير طائرات التحالف، وأصوات المدافع الرشاشة في اشتباكات لا تكاد تتوقف. لكن أكثر ما أثار خوفهم بداية هدير طائرات التحالف، إذ اعتقدوا بداية أنها ستقصف الأحياء كما يفعل الطيران التابع لنظام الأسد في سورية، لكن بعد يومين أو ثلاثة أدرك المدنيون في صنعاء أن القصف كان موجهاً ودقيقاً، واستهدف المناطق العسكرية. غادر السوريون الأربعة صنعاء وهم فرحون بالنجاة، يقول أحدهم: «تعاونا وخرجنا من اليمن، واستضافتنا السعودية التي أحسنت معاملتنا وقدمت لنا الغذاء والطعام والمواصلات، وكانت معاملة إنسانية فريدة من نوعها». أما السوري محمد صفرا الذي التقته «الحياة» على منفذ الطوال الحدودي التابع للسعودية فيقول: «تركنا كل ما نملك، وهربنا، عشنا سنوات مع شعب يمني طيب ورائع، لكن بعد دخول الحوثيين لصنعاء انقلبت الأوضاع وبدأت الحياة في ارتباك عجيب، حتى اندلعت الحرب، ولذنا بالسعودية».