تحولت تظاهرة لنحو ألفين من اليهود الأثيوبيين في إسرائيل جرت قبالة دار رئيس الحكومة بنيامين نتانياهو في القدسالمحتلة مساء أول من أمس، إلى مواجهات عنيفة بين المتظاهرين وأفراد الشرطة أوقعت إصابات، لكنها كشفت حجم التمييز العنصري الذي يعانيه يهود أثيوبيا الذين استُقدموا في حملة تهريب إلى إسرائيل أواخر ثمانينات القرن الماضي، على خلفية لون بشرتهم واجتماعياتهم ونمط حياتهم. لكن تظاهرة أول من أمس كانت أول احتجاج بهذا الحجم اعتبرته وسائل إعلام عبرية «تنفيس احتقان وتعبيراً صارخاً عن الإهمال والشعور بالملاحقة من سائر أبناء ديانتهم». وجاءت التظاهرة على خلفية نشر شريط فيديو في شبكات التواصل الاجتماعي يشاهَد فيه شرطي يتحرش بجندي أسمر اللون (أثيوبي) ويضربه بوحشية، ثم يعتقله من دون مبرر، ليتنادى الشباب لتظاهرة احتجاجية في القدس نددوا خلالها ب «البطش البوليسي اليومي بالشباب الأثيوبيين»، ورفعوا لافتات تقول: «كفى للعنف والعنصرية»، و»أولادنا يخدمون في الجيش، لكنهم لا يجدون أماكن عمل». وطالبوا قادة الشرطة والمستوى السياسي بوقف تنكيل الشرطة، وأغلقوا طريقاً رئيساً، لتقتحم الشرطة بمئات أفرادها وخيّالتها صفوفهم وترشقهم بأسلحة تفريق التظاهرات، ثم تنهال عليهم بالضرب بالهراوات وبإطلاق الغاز المسيل للدموع، فردّ عليهم المتظاهرون برشقهم بالحجارة، فأصيب 12 متظاهراً وثلاثة من عناصر الشرطة. وذكّر سلوك الشرطة مع المتظاهرين بممارساتها في تظاهرات المواطنين العرب، وأعاد طرح السؤال التقليدي: أيُّهم، الأثيوبيون اليهود أم المواطنون العرب هم الأكثر عرضة للتمييز العنصري في إسرائيل؟ لكن رغم البطش الذي مارسته الشرطة ضد المتظاهرين الأثيوبيين، فإن عناصرها لم تطلق الرصاص المطاط أو الحي عليهم، كما فعلت مع العرب في مناسبات كثيرة وقتلت العشرات منهم. كذلك، خلافاً للاحتجاجات العربية التي لا تلقى التجاوب من المسؤولين الحكوميين، فإن صرخة الأثيوبيين وجدت لها آذاناً صاغية لدى قيادة الشرطة التي شرعت في التحقيق مع الشرطي المعتدي، فيما سارع رئيس الحكومة إلى التنديد بضرب الشرطي للجندي الأثيوبي، متوعداً بمحاكمته، وهو ما لم يحصل ذات مرة مع أفراد شرطة قتلوا متظاهرين عرباً، إذ قامت «وحدة التحقيق مع أفراد الشرطة» بتبرئة ساحة القتلة. ووصفت نائب رئيس بلدية تل أبيب مهارتا باروخ، وهي من أصول أثيوبية، ما يعانيه اليهود الأثيوبيون المعروفون ب «الفلاشا» ب «الإذلال والتحقير والشعور بالعجز في مواجهة بطش الشرطة غير المبرر في معظم الأحوال». وكتبت في صحيفة «يديعوت أحرونوت» أنها صادفت في العام الأخير «حالات كثيرة من العنف غير القانوني والمذل من جانب أفراد الشرطة ضد أبناء الطائفة الأثيوبية... وأنا شخصياً شعرت بهذه المهانة وبالخوف وبالعجز الذي يشعره الشباب من أبناء الطائفة في مواجهة العنف غير المبرر للشرطي». وعزت هذا السلوك إلى «الآراء المسبقة التي يحملها سائر الإسرائيليين عن أبناء الطائفة الأثيوبية في موازاة شعور الشرطي بحقه في ممارسة القوة المفرطة ضدهم». ورغم مرور نحو ثلاثة عقود على تهريب «الفلاشا» إلى إسرائيل، إلا أنه باستثناء حالات قليلة سجل فيها عدد من أبنائهم نجاحاً في الانخراط مع سائر الإسرائيليين، فإن الغالبية ما زالت في أسفل السلم الاجتماعي– الاقتصادي، ونسبة كبيرة من الشباب تعمل في الحراسة، ونحو 90 في المئة من النساء يعمل في النظافة. وعليه لا يزال الإسرائيليون ينظرون إلى المهاجرين الأثيوبيين نظرة فوقية بداعي أنهم لم يتأقلموا معهم ولا تعجبهم ملابسهم ولا نمط حياتهم على خلفية أرقام تؤكد أن نسبة الجريمة في أوساط الشباب الأثيوبيين تعتبر الأعلى. وسبق أن أكدت استطلاعات للرأي أن غالبية الإسرائيليين ترفض أن يكون جيرانهم من الأثيوبيين، كما أن بعض المدارس لم يتردد في فصل الطلاب الأثيوبيين عن سائر أترابهم من «اللون الآخر». ويذكر الإسرائيليون حادثة رفض مؤسسة تابعة لوزارة الصحة قبول تبرع بالدم من سيدة أثيوبية نائب في الكنيست. ويقارن أبناء «الفلاشا» أوضاعهم بأوضاع المهاجرين من دول الاتحاد السوفياتي السابق الذين انخرطوا في حياة الدولة فيما هم بغالبيتهم يشعرون بالنبذ والإحباط والاغتراب. وحدث أن تم منع شبان أثيوبيين من دخول متنزهات عامة أو مجمعات تجارية كبيرة بسبب لون بشرتهم، حتى باتت «المحطة المركزية القديمة للباصات» المهجورة جنوب تل أبيب «مكان الترفيه الأبرز» برفقة العمال الأجانب حيث تنتشر الجريمة. ويقول أحدهم: «لا أعتقد أن شرطياً يجرؤ على إجراء تفتيش على جسم أي من المهاجرين الروس... إنهم أقوياء والشرطة تستقوي على الضعيف فقط». وكتب ضابط احتياط في الجيش الإسرائيلي من أصول أثيوبية، أنه قدم للدولة المطلوب منه وأكثر، وخدم في الجيش تسع سنوات، «لكنني ما زلت أشعر أن هذه الدولة ليست لي... لقد تخلت عني وتواصل التنكيل بي... التعامل معي مختلف وليس لطيفاً». واستذكر تنكيل الشرطة به وبزملائه عندما كانوا صبيةً، «دائماً أوقفَنا أفراد الشرطة لمجرد أننا سمر وأجروا تفتيشاً على أجسادنا بشكل مهين وغير قانوني، وكل من حاول الاستفسار عن هذا السلوك لقي الضرب المبرح... هذه الظاهرة تتواصل حتى اليوم». ورأى المعلق في «هآرتس» أور كشتي أن ظاهرة التنكيل بالأثيوبيين معروفة منذ زمن طويل، وتم النشر عن حالات اعتداء كثيرة عليهم، «لكن أحداً من المسؤولين لا يحرك ساكناً... وحسناً أن الصرخة أُطلقت بعد ربع قرن من المعاناة المتواصلة».