رغم تعهده الإسراع بإجراء الانتخابات التشريعية المؤجلة وإصدار القوانين المنظمة لها بعد تلبية تعديلات طلبتها المحكمة الدستورية العليا، إلا أن الحكم في مصر تجاوز مهلة وضعها الرئيس عبدالفتاح السيسي لعمل اللجنة المكلفة تعديل القوانين، وسط تضارب بين أجهزته. وكانت الحكومة أعلنت إجراء الانتخابات في 21 آذار (مارس) الماضي، بعد تأخرها شهوراً عن موعد استحقاقها الدستوري. لكن المحكمة الدستورية العليا قضت بعدم دستورية تقسيم الدوائر المخصصة للنظام الفردي وحظر ترشح مزدوجي الجنسية، ما أدى إلى إرجاء الاقتراع مجدداً. وسارعت الحكومة إلى إعادة تشكيل لجنة قانونية برئاسة وزير العدالة الانتقالية إبراهيم الهنيدي لإجراء التعديلات المطلوبة. ومنح السيسي اللجنة شهراً لإنهاء مهمتها، لكن تلك المهلة انتهت قبل أسبوعين من دون أن تخرج التعديلات إلى النور، رغم إقرارها في مجلس الوزراء. وبرر الهنيدي التأخير ب «اعتراض أجهزة الأمن على ضم دوائر في الصعيد، واكتشاف عدم دقة بيانات الناخبين الواردة من أجهزة الدولة». وسيؤدي هذا الارتباك إلى تأخير انطلاق الانتخابات، ما يضرب صدقية الحكومة التي تعهد رئيسها إبراهيم محلب إجراء الانتخابات قبل شهر رمضان الذي يبدأ في منتصف حزيران (يونيو) المقبل، وهو ما يبدو غير ممكن. وأشار الهنيدي إلى «معضلتين رئيستين وراء عدم الانتهاء من مشروع قانون تقسيم الدوائر الانتخابية، وهما عدم دقة البيانات ما أدى إلى تباين في الأرقام بين عدد السكان والناخبين في نحو 12 دائرة، ومشكلة البعد الأمني المتمثلة في تحذير الأمن من حدوث اضطرابات في حال ضم بعض الدوائر في الصعيد». وقال إنه طالب الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء الحكومي ب «مراجعة الأرقام وإرسالها إلى اللجنة موثقة ومختومة، بعدما تبين أنها مخالفة لبيانات اللجنة العليا للانتخابات وقاعدة بيانات الناخبين». ولفت إلى أنه سيرفق تلك الوثائق مع مشروع القانون عند إرساله إلى مجلس الدولة الأسبوع المقبل. وفي ما يخص توصيات الأمن، قال إن «اللجنة ستراعي البعد الأمني، لكن إذا تعارض هذا الأمر مع الوزن النسبي سيكون قرار اللجنة الالتزام بالوزن النسبي، ولن نسمح بأن يصل مجلس النواب إلى 600 مقعد بسبب صعوبة الأداء داخل القاعة». ولفت إلى أن اللجنة المشرفة على الانتخابات «طالبت هي الأخرى بمراعاة البعد الأمني للتقسيم، حرصاً على سلامة القضاة المشرفين على الاقتراع وعدم تعرضهم لمخاطر أثناء عملهم». وأضاف: «سننتهي من المراجعة النهائية لقوانين الانتخابات الأسبوع المقبل، تمهيداً لعرضها على مجلس الدولة المصري لمراجعة صياغتها القانونية»، مؤكداً «صعوبة بدء الإجراءات قبل شهر رمضان». وكشف عن أن لجنة الانتخابات «طالبت بتحصين قراراتها باعتبارها لجنة قضائية وليست إدارية، كما رفضت تطبيق الرقابة السابقة للمحكمة الدستورية العليا على القوانين». وكان السيسي أكد في أكثر من مناسبة «الحرص على تنفيذ خريطة المستقبل» التي أعلنها الجيش في أعقاب عزل الرئيس السابق محمد مرسي في تموز (يوليو) 2013، وأكد «الحياد بين المتنافسين». لكن قوى سياسية مؤيدة للحكم انتقدت في شدة «تدخل أجهزة الأمن في تشكيل القوائم والتحالفات الانتخابية»، بعدما تحفظت عن التوسع في المنافسة بالنظام الفردي الذي رأت أنه «يسمح بسيطرة رأس المال على الانتخابات، ويضعف من الحياة الحزبية». ويرى مراقبون وقوى حزبية أن قوانين التشريعيات المرتقب إصدارها سيتمخض عنها برلمان «مستأنس» يغلب عليه غير الحزبيين. وأعلن «تحالف التيار الديموقراطي» الذي كان يرتقب أن يقود المعارضة البرلمانية، مقاطعة الترشح على المقاعد المخصصة لنظام القوائم المطلقة المغلقة (120 مقعداً) والتي لم تمسها التعديلات على قوانين الانتخابات التي تجاهلت مطالب قوى سياسية، بينها التحالف، بالتوسع في المنافسة بنظام القوائم وتغييرها من المطلقة إلى النسبية. وأعلن الناطق باسم حزب «الدستور» المنخرط في التحالف خالد داود «عدم مشاركة أحزاب التيار في القوائم المطلقة» التي اعتبر أنها «تفسد الحياة السياسية». وانتقد في بيان عقب اجتماع للتحالف أمس «تخبط» لجنة تعديل قوانين الانتخابات، مشيرا إلى أن موقف التيار من المنافسة بنظام الفردي «سيظل معلقاً حتى نبحث في قوانين الانتخابات بعد صدورها». وقال إن «أحزاب التيار حاولت بقدر الإمكان أن تكون مرنة، لكننا مقبلون على برلمان هدفه الأساسي دعم قرارات السلطة التنفيذية... نحن تحالف سياسي وليس انتخابياً وسنعلن سياسيات بديلة في مواضيع الاستثمار والتعليم والصحة». ويتجه الحزب «المصري الديموقراطي الاجتماعي» الذي شكل رابع أكبر كتلة في البرلمان السابق وجاء منه أول رئيس وزراء بعد عزل مرسي، إلى مقاطعة الترشح على نظام القوائم. وقال ل «الحياة» الأمين العام للحزب أحمد فوزي إن «هناك اتجاهاً داخل الحزب لمقاطعة الانتخابات على القوائم والاكتفاء بخوضها على المقاعد الفردية، في ظل تجاهل اللجنة المكلفة تعديل القوانين اقتراحات الأحزاب». وأضاف: «عقب صدور قوانين الانتخابات رسمياً سيدعى المكتب التنفيذي للحزب إلى اجتماع عاجل للبحث في موقفنا النهائي من الانتخابات».