ليست المحطات التلفزيونية بمنأى عن أزمات مالية قد تطيح ببعضها وتنزلها من الفضاء الواسع الفسيح، وقد تغير من أهواء وتوجهات وأجندات بعضها الآخر. هذا أمر واضح ومعروف للجميع. وفي الأروقة الخلفية، وفي كواليس عمل الكثير من هذه الفضائيات ما يثبت ويعطي صدقية لهذه الكلمات. ليس هنا مجال التعرض لهذه الأزمات التي تحتاج الى أرقام ومعطيات ليس هنا سبيلها. ولكن يمكن ملاحظة أن بعض البرامج الحوارية الترفيهية التي تدّعي لنفسها أنها تخوض شؤوناً ثقافية واجتماعية عامة تعطي للمتابع امكانات اكتشاف توجهات الفضائيات التي تنتمي لها، وتكشف طرائق التفكير التي تنتهجها كل واحدة منها على حدة، هذا ان استثيننا «أجندات» الفضائيات الاخبارية الصرفة التي تغوص في شؤون التناحرات المذهبية والطائفية من دون أن تعير انتباهاً لأي أزمات مالية، فهي مغطاة تماماً، وتؤدي وظائفها بنجاح منقطع النظير. برامج الحوار الترفيهية هي عنصر أساس في عمل الكثير من الفضائيات كونها تستقطب شرائح مجتمعية مختلفة، وكما تساهم بصناعة رأي عام مستسلم أو متطلب، هي تساهم أيضاً بصناعة النجوم وإعادة تدويرهم والتعريف ببعضهم ولها في ذلك فوائد كثيرة تكمن في استقطاب الجمهور والحصول على كميات وافرة من الاعلانات التجارية التي تساهم في تمويل جزء مهم من عملها وهذا أمر متعارف عليه، وبخاصة أن الضيوف لديهم حساباتهم المصرفية التي تدخل في صلب آلية الحضور على هذه الشاشة أو تلك. السؤال الذي يطرح نفسه هنا يتعلق باستمرارية بعض هذه البرامج – أحياناً – من دون أن تتكلف عناء الدفع المالي المسبق للضيوف. أحياناً تجيء هذه الأخبار لتصدم ما بقي من وعي لم ينخره البث الفضائي، لأنه أصبح شائعاً مع انفجار البث الفضائي العربي حصول الضيوف على المال لقاء المشاركة في هذه البرامج وهي قد تكون أحياناً أرقاماً تدفع بالمشاهدين البسطاء للشهيق والزفير المتكرر. المحطات الحكومية اضطرت أيضاً أن تخضع لهذه المقاييس وان بمبالغ قليلة ورمزية في أحيان كثيرة مما يضطرها لعدم استقدام ال»سوبر ستار» في برامج أصبحت تنتمي لعوالم ماضية سقيمة ليس بسبب سياسة البرامج الثقافية التي تشتغل عليها، وانما لأن العالم أصبح يتغير في كل ثانية ودقيقة ولا يقدم شيئاً من الاثارة المطلوبة تسعف هذه البرامج التي تلهث وراءها المحطات الخاصة وتجدها تغرق في مستويات متدنية بسبب البحث المضني عن هذه الاثارة... ما يعني أنه يمكن اضفاء أجواء بوليسية على زوايا الكاميرا ونوع الاضاءة والمؤثرات الصوتية المرافقة كما في حال برنامج «المتهم» على شاشة «ال بي سي أي» حين استضاف المغني جورج الراسي ليحكي عن طلاقه من عارضة الأزياء جويل حاتم من دون أن يكون لهذا قيمة تذكر. لن يمكن في هذه الحالة التفضيل أو التفصيل في هذه الحالة لجهة المبالغ المالية التي قد يحظى بها ضيف من «نوعية» الراسي يشغل محطات التلفزة اللبنانية بمسائل شخصية لا تهم أحداً وتهم الجميع في الوقت ذاته بما أن هذه المحطات تتسابق لاستضافته مع زوجته (طليقته) وتبحث في تفاصيل حياتية عادية مثل مزاج الفنان وشبق الشهرة والسفر والحفلات ومواقع التواصل الاجتماعي التي صارت تقدم ملاذات لمعظم هؤلاء الفنانين الذين يقدمون الاشارات اللازمة من خلالها ليصار الى إعادة إنتاجها عبر الفضائيات. قد لا يغدو مهماً التدقيق بمسائل من صلب عمل الفضائيات، وهي لا تعني الجمهور العريض بمعنى ما، ولكن يمكن هنا إثارة مسألة سلوك بعض الفنانين والفنانات حول دعوتهم لحضور فعاليات ثقافية وفنية فيها نوع من الوفاء لفنانين راحلين عبر برامج حوارية ترفيهية لأنها تتطلب الترفع الأخلاقي عن هذه المطالب من باب تكريم من نذر حياته في عالم ينتمون له هم أيضاً. ليس في محاولة رابعة الزيات أخيراً تقديم حلقة خاصة بالذكرى الثالثة لرحيل المغنية وردة الجزائرية إلا مثال ساطع على ذلك حين رفضت فنانات المشاركة في برنامجها «بعدنا مع رابعة» قبل الحصول على مبالغ مالية لا يمكن لبرنامج على فضائية «الجديد» أن يقدمها لاعتبارات تخص عمل الفضائية التي يتردد أنها لا تدفع لقاء استضافة هذا الفنان أو ذاك. في السباق المحموم نحو «التفاهة» لا يمكن في أحايين كثيرة تعميم الحكي عن القيمة الأخلاقية المضافة. هذا أمر يمكن البت فيه من دون استحضار أسماء من رفض الحضور قبل الحصول على المال. لا يعود مهماً ذكر أسماء من تخلف وغاب ورفض الحضور لقاء الحصول على المال في مناسبة حزينة كهذه. هذا ليس مهماً على الاطلاق، لأنه يمكن جهة فنية انتاجية مد البرنامج بمواهب شبابية واعدة يمكنها أن تحتفي بالراحلة وردة من دون مقابل، وربما حباً بالظهور على شاشة التلفزيون انقاذاً للبرنامج وصاحبته. في سياق مختلف ألم يهاجم الممثل السوري أيمن رضا مسلسل «باب الحارة» ويقول إنه حافل بالفكر الداعشي حتى من قبل أن نتعرف وجهاً لوجه بهذا التنظيم الارهابي. وعندما سئل عن مشاركة له في إحدى حلقاته، لم يتردد بالإجابة التي بدت مثل جواب لفاتح مقهور: كنت بحاجة للانتشار عن طريق المحطة التي تبثه. لن يكون مهماً ذكر الأسماء لأن هذا لن يغير من حقائق السباق المحموم المذكور، ولكن ما يتغير هو المجال العمومي الذي يقبل الإنحدار بسرعات كبيرة عادة ما تجيء مكلفة ولا يمكن معاينة آثارها السلبية إلا بعد فوات الأوان.