هناك الآن صنفان من الناس يتابعون برنامج (الاتجاه المعاكس) الذي يقدمه المذيع فيصل القاسم على محطة الجزيرة. الناس الذين يريدون أن يسخروا من الضيفين اللذين ينقلب الحوار بينهما بعد دقائق من البداية إلى مشاجرة حامية والصنف آخر هم أصحاب الآيديولوجيات القومجية المنقرضة. ولكن هذا لا يعني أن الناس أصيبوا بالإرهاق من هذا النوع من الإعلام. عندما تتابع أحد البرامج التي تعتمد على اتصالات المشاهدين فستكتشف أنهم يرددون نفس المقولات التي يقولها الخطاب الإعلامي السائد . يقول أحد المهتمين بالإعلام : (ربما يبدو الأمر ناعماً ولكن الفضائيات خلال السنوات الماضية قامت بعمل جوهري. صنعت أناساً مسيسين). في الفترة الماضية قامت فرنسا بحظر قناة «المنار» اللبنانية بعد ادانتها بالتحريض على الكراهية وقامت وزارة الخارجية الأمريكية بوضعها في القائمة السوداء كمنظمة إرهابية. وزير الدفاع العراقي وصف بشكل صريح قناة «الجزيرة» بأنها قناة الإرهاب. سواء كان ذلك صحيحا أو خاطئا إلا أن هذا يجب أن يجعلنا نفكر بهذا المصطلح الجديد وهو: (قنوات إرهابية). أول من اعلن هذا الاسم هو وزير الدفاع الأمريكي رامسفيلد عندما هاجم المحطات الفضائية العربية متهما إياها بإعاقة عمل جنوده. يبدو ذلك عذرا واهيا لتبرير تخبطات القوات الأمريكية في العراق. ولكن يجب أن لا يجعلنا هذا نبتعد عن التساؤل المهم حول هذه الدعاوى التي بدأ يرددها الكثيرون ومن بينهم مسؤولين كبار وهو: هل تقوم الفضائيات العربية بممارسات يمكن أن تصنف بإرهابية؟. يقول موفق حرب مدير قناة «الحرة» الفضائية: (بدون تعميم. ولكن هناك قنوات فضائية عربية تصوغ موادها الإعلامية بشكل مبطن تعمل على استثارة الشعوب وتحريضها على الفوضى والقتال. انها تخلق مناخا ناعما يتكامل مع العمل الحركي ليقوم بمهام إرهابية حقيقية. هناك فضائيات تحولت إلى جهاديات). قناة «الجزيرة» تقوم خلال هذه الأيام بعرض مقاطع لوزير الإعلام العراقي السابق محمد الصحاف خلال الحرب الأخيرة يتهم فيها المحطة بخدمة الأميركيين عبر بثها لأخبار مضللة وبعد ذلك تعرض مقطع لوزيرالداخلية العراقية الحالي يتهم فيها «الجزيرة» بالإرهاب وفي نهاية هذا العرض المتباهي تطبع على شاشتها الرسالة المفهومة من هذا العرض وهي: (الجزيرة.. الرأي والرأي الآخر). يقول المتحدث الرسمي باسم المحطة جهاد بلوط : (ليس هناك إعلام إرهابي أو غير إرهابي. هناك قد من لا يروق له هذا الإعلام فيعتبره إرهابيا. الأهم بالنسبة للإعلامي هو أن يقوم بعمله بشكل شامل وموضوعي ومتوازن). ولكن الكثير من الكتاب يعتبرون أن ما تقوم به «الجزيرة» وغيرها من القنوات غير موضوعي ويفتقد التوازن. في الحقيقة يمكن أن نلاحظ مثل هذا الأمور في بعض المواقف. يمكن أن نلاحظ التغطية الأخبارية المتفاوتة بشكل واضح بين الاجتياح الأخير للفلوجة وعمليات التفجير الأخيرة في النجف وكربلاء التي حصدت أكثر من ستين عراقيا. أحد المختصين بالإعلام قال معلقا على هذه الحادثة : (الأيديولوجيا هي من تسيطر على الإعلام العربي. يمكن أن ترى تغطية للتفجيرات في كربلاء والنجف يبكي فيها المراسلون لو كان هناك رائحة لأمريكي واحد يقف خلف العملية). ليس من العسير اكتشاف الأيديولوجيا من خلال نفس الأفكار التي ترددها المذيعات الجميلات على الشاشة والتي يصعنها كبار الصحفيين ذوي الرؤوس الصلعاء من داخل غرفة الأخبار. ولكن يبدو أن هناك مذيعين مؤدلجين رغما عنهم. غالبية المحطات العربية متصل بشكل أو بآخر بالحكومات التي توفر لها الدعم المالي أو تقوم باحتضانها والقيام بتسهيلات لها وذلك مقابل أن تقوم هذه المحطة بتحسين صورتها والترويج لأيديولوجيتها أو على الأقل عدم مساسها بأخبار سيئة. يقول الدكتور سعد العجمي وزير الإعلام الكويتي السابق إنه إذا لم توجد حرية فمن الصعب أن يكون هناك إعلام حر. ويقول العجمي إن هناك بعض الفضائيات تقودها المخابرات لتنفذ أجنداتها. إذاعة بانوراما قامت في الآونة الأخيرة بعمل شيء جديد وجريء يبدو أن احدا لم يفكر فيه. كشفت الخلل في عمل الإعلام العربي الذي يعلن أنه حيادي وموضوعي. قامت باستضافة عدد من المحللين الإسرائليين الذين لهم وجة نظر أخرى في الأحداث الجارية في فلسطين. وجودهم قد لا يعجب الكثيرين ولكنهم يوسعون مساحة الرؤية للأحداث ومن ثم الحكم عليها وهذه أشياء جيدة للمشاهدين وهي أشياء مثالية يحق للمذيعين التفاخر بها.يقول الكثير من المهتمين بالشأن الإعلامي أن الفضائيات العربية ساهمت في مستوى التخلف العربي عبر نشرها لأفكار ماضوية تصطدم مع قيم الحداثة والتقدم. موفق حرب يقول: (نحن نستعمل أكثر التقنيات حداثة لنشر التخلف والجهل). ويتوقع حرب أن يكون عام 5002 هو عام مشرق للإعلام العربي وسيشهد تغيرات كبيرة نحو الأفضل. هذه أمنية جيدة. ولكن القضية الاهم الآن ليست هنا. بعض الفضائيات العربية لا تقوم فقط بالترويج لأفكار رجعية ومتعصبة تجعل الشخص يحطم شاشة التلفزيون لأنه مستاء مما يشاهده كما فعل الكثير من كبار السن بعد سقوط بغداد الأخير.القضية أن هناك قنوات تقوم بعمل استراتيجي يحرض على العنف والفوضى والقتال دفعت الكثير من الشباب لإزهاق أرواحهم . ليس هناك مرجع قانوني يمكن أن يلجأ إليه من يريد أن يرفع دعاوى يتهم بها هذه المحطات بالتحريض على القتل والعنف. الأمور رجراجة وهناك فوضى عارمة. ضمير بعض الفضائيات هي من يلجأ له الشخص بحثا عن الحيادية والعقلانية ولكي لا تقوم بارسال أولادهم في حروب مستعرة. ولكنه ضمير يمكن أن تبدو حياله كشخص كثير الشك.