في المجموعة الشعرية الخامسة للشاعر محمد خضر «منذ أول تفاحة»، تأخذنا رحلة عاصفة كنوء فجائي أطاح بجغرافيا الإنسان الاعتيادي، ككائن تستوطنه اعتيادية الكون، في محاولة لتلخيص رحلة عمر حميم من المصادفات المكررة، والتى تحمل الشاعر على الاعتراف بفشل محاولته في الفرار من واقع ثار عليه أكثر من مرة، وتمرد في قصائد تلك المجموعة ليعيد التفكير في سيناريو مختصر لفكرة الوطن وتسوية محايدة بين ظله وإحساس الغريب الذي يغمره. المجموعة مقسمة إلى ثلاثة أقسام في قسمها الأول يستغرق الشاعر في محاولة الفكاك من فخ الذكريات والموروث من الحكمة القديمة، التى لقنها الأجداد للأجيال المتتابعة، وهو ما نراه واضحاً في قصيدته «الوراثة»: قال الجد حكمته للابن الأكبر/الابن نقلها إلى الأولاد والفتيات على حد سواء/الحكمة التي ترفرف الآن عالياً/في طريقهم نحو الحياة». إلى حد تشبيهه إياها بالصنم في نهاية القصيدة: الحكمة الواقفة الآن/مثل صنم ضخم/على بوابة الحياة». شاعرنا الباحث عن الحرية التي قتلت كفراشة في زجاجة خل التفاح الفاسدة باحثاً عن العائدين بعد وعثاء قصيدة وسفر في دنيا التغيير ليتساءل: ما الشعر؟ الشعر الذي ينهمر من أسئلته كفتاة غضة تحمل ذكرياتها أينما ذهبت بحقيبة يدها والتي قابلها أكثر من ثلاث مرات أوحت لي بالأربع مجموعات شعرية التي أصدرها حتى الآن، محاولاً فك شفرة مكنونها الذي خيل إليه أنها خليط عشوائي، ولكن يخيب ظنه في النهاية، كما تفوح رائحة الرفض والتمرد لواقع الحال في قصيدته «ص.ب» إذ لا عنوان له: عنواني بلا منعطفات ولا علامات فارقة/ في فكرة شاردة عن قطيعها...». ويضحى البحث عن الحب في مدينة الخوف رحلة عبث، لا جدوى منها، كما كتب في قصيدته «حب»: مدينة الخوف والتنوية والأعراف والحرام.. المدينة التي كابدنا فيها من أجل حفنة هواء. وفي قصيدته «أبها» والمهداة إلى روح أبيه يختصر رحلة العمر البشري في جملة صادحة بالنبض: ومع ذلك لا يزال العمر يمشي بكبرياء العدو». في قصائد القسم الثاني من المجموعة يواصل شاعرنا رحلة التيه داخل الروح، من خلال شخصية المتحول الشيزوفريني في زمن مصاب بصداع الهوية، إذ ارتفعت سماء التحليق كسقف غرفته الذي أضحى بعيداً عن مرمي البصر، كما كان لاستدعاء الشخصيه الميثولوجيه (أوديسيس) الذي أصابته لعنة الآلهة ليتيه في الأرض لسنوات ترسيخاً لرحلة البحث داخل الذات في لوحة من خيوط الصوف الذهبية، في ظل هذه الأجواء الرحبة يحاول شاعرنا البحث عن صيغة للحوار بين الفرقاء ففي قصيدته «تفاهم»: تعالي نجرب أن نشرب من الفنجان نفسه! ونشتم بعضنا بحيادية...». ويعيد الشاعر محاولته للهروب من فخ الذاكرة في قصيدته «ضد النسيان»: لو أنه لا يتذكر/بل ينهمر كنسيان خام». وحين نصل إلى القسم الثالث من المجموعة نرى شاعرنا قد وصل تماماً لقناعة تامة بفشله في الهروب من فخ المكان والزمان والحقيقة، ليعقد صفقات مع الأحلام لتميزه ولو بخدش صغير عن التكرار السائد.