حقَّق مهرجان عمّان للكوميديا في دورته الثانية أخيراً، نجاحاً كبيراً في جذب الجمهور إلى فعالياته فاكتظت قاعات العرض طيلة أيامه الثمانية، على رغم أن ثمن بطاقة الدخول كان 25 ديناراً أردنياً (نحو 35 دولاراً)، وهو ثمن مرتفع نسبياً، في وقت تشكو المسارح المحلية من غياب الرواد بشكل فاجع. بل ان عروضاً مسرحية عربية، بعضها فكاهي، تتسول الجمهور بالمجان، مثلما حدث ويحدث في مهرجانات تشرف عليها مؤسسات كبرى ووزارات ثقافة، من فشلٍ في استقطاب المواطن دافع الضريبة وممول هذه المهرجانات. انطلق المهرجان بالتعاون مع «مهرجان الكوميديا العربية الأميركية» في نيويورك، ودعم المنتج التنفيذي والممثل الكوميدي دين عبيد الله، بمشاركة 18 كوميديا أميركياً، غالبيتهم من أصول عربية، إضافة إلى الكندي راسل بيترز، والأردني نبيل صوالحة. وهو يهدف وفقاً لأمين عمّان عمر المعاني، إلى «ترسيخ موقع الأردن على الخريطة العالمية في فن الكوميديا المباشر، فضلاً عن الإسهام في تعزيز الحركة السياحية في البلاد». وكشف المهرجان عن حماسة غير مسبوقة تجاه الكوميديا الارتجالية المباشرة، وخصوصاً في أداء الكوميديين الأميركيين من أصل عربي، الذين يظهرون في برامج تلفزيونية مشهورة، مثل «show time». ولمسَ عدد كبير من الجمهور، وغالبيته من المغتربين، أن فضاء كبيراً من الحرية في التعبير يحضر في العروض المشاركة، التي يتأسس شكلها المسرحي على الحوار وأداء الجسد الذي لا يخلو من حرفية وجمالية أخّاذتين. المفارقة، أن هذه «الحماسة» تجاه الكوميديا، تجيء في ظل تراشقٍ مستمر بتهمة «التكشير» تطاول نسبة كبيرة من الأردنيين، الذين لا يفتأ بعضهم يردد: «ميناؤنا عَقبة، وبحرنا ميت، وطبختنا المفضّلة مقلوبة، ومطربنا المفضّل متْعب، وأجمل أغانينا: ويلك يالّلي تعادينا يا ويلك ويل، وأجمل أسمائنا: زعل، وتريد مني أن أضحك!». التناول الساخر لسياسات الرئيس الأميركي السابق جورج بوش، بدا قاسماً مشتركاً في عدد من العروض. وطرحت الكوميدية شيري ديفي، هذا الجانب من زاوية أن تصريحات بوش الابن حول الأحداث وتعليقاته عليها، كانت محرجة وغير ملائمة. كما عرّجت مشاهد كوميدية على المفارقات التي تحدث للأميركيين من أصل عربي، في ظل أنماط الحياة والسلوك في الولاياتالمتحدة، التي تتعارض أحياناً مع تلك التي يحتفظون بها من أوطانهم الأصلية، مثال ذلك تصوير الكوميدي دين عبيد الله، حياةَ كبار السن العرب في المدن الأميركية. كما طُرحت بعض الرؤى السائدة والصور المغلوطة هناك عن العرب والمسلمين. وتوجّه النقد الساخر أيضاً، لعادات اجتماعية وصحية من واقع الحياة المعاشة في بيروت وعمّان والقاهرة، مثل قيادة المركبات من دون التقيد بالقوانين والأنظمة، وعدم احترام المدخنين لتشريعات حظر التدخين في الأماكن العامة. جاءت الحوارات في الفعاليات باللغة الإنكليزية، عدا فعاليتين بالعربية، أحياهما نمر أبو نصار، ونبيل صوالحة، وميسون زايد، وعامر الزهر، ونهو تشونج الذي يتكلم العربية بطلاقة. وكان كل من لارا صوالحة، ويوسف شويحات وفارس حدادين وبلال اللحام، فازوا بالمشاركة في فعاليات المهرجان، من بين 15 مشاركاً من الأردن، بعد مسابقة أشرفت عليها إدارة المهرجان، لإشاعة هذا النوع من الكوميديا في الحراك المسرحي في البلاد. ويشير الجمهور الكبير الذي ارتاد فعاليات المهرجان، إلى تعاظم قوة شرائح اجتماعية في دول العالم الثالث، ليست متطورة أو منبثقة من سياقات طبقية فيها، وإنما من عملها الاقتصادي أو إقامتها السابقة في الغرب، كإحدى تجليات العولمة الثقافية. وهي شرائح ذات تطلعات كوزموبولوتية مغايرة لبقية الشرائح، فتنجذب إلى مثل هذه الفعاليات، لتناولاتها الجريئة، المتخففة من الرقابة، بما يلائم مزاج هذه الشرائح، ويلقى صدى إيجابياً فيها. غير أن اللافت، عدم عقد مؤتمر صحافي للإعلان عن المهرجان كما هي العادة، والاكتفاء بالتعريف بأماكن الحجز وبيع التذاكر عبر وكالات الدعاية والإعلان، فضلاً عن التنظيم الدقيق لدخول المشاهدين وخروجهم، والحضور الأمني المشدد في محيط الفعاليات وداخلها. وكشف المعاني أن المهرجان في دورته الثالثة العام المقبل، سيتّسم بالضخامة لجهة المشاركة فيه، وقال: «تسعدنا هذه الحماسة الكبيرة نحو المهرجان، وكما توقعنا، فإن هذا المهرجان ساهم في تعزيز الحركة السياحية... من خلال قدوم مشاهدين للفعاليات من أقطار عربية مختلفة، فضلاً عن حضور وسائل إعلام عالمية، مثل: «سي. إن. إن»، و «نيويورك تايمز»، لتغطية فعالياته».