كل الذين قاموا بجهود مخلصة لإنقاذ المتضررين من كارثة جدة يستحقون التقدير. ولا يقلل من قيمة تلك الجهود اختفاء أسماء أو عدم ظهور قصص بطولية على السطح. أنا على يقين أن هناك بطولات ومواقف مؤثرة لم تصل إلى الصحافة، مثلما أن هناك جثثاً لم تصل إليها جهود الباحثين. من تحركت في نفوسهم نوازع الخير والفزعة الحقة مستحقون لذلك التقدير والإعجاب، سواء كانوا موظفين مثل رجل الدفاع المدني الشجاع العريف مانع اليامي، أم متطوعين مثل عامل البقالة الباكستاني الشجاع. لو توافر مثل ذلك الإخلاص وشجاعة المبادرة لدى بعض الموظفين الحكوميين لما وصلنا إلى نتيجة مثل هذه الكارثة. نعم لو كان هناك نفر من هذا الصنف يرفعون أصواتهم ضد الفساد والتجاوزات ولا يحتمون بمتاريس «مالي شغل» لربما كنا في وضع أفضل... مع ملاحظة أن ذلك يتطلب جهات حكومية رقابية... أفضل، تحتضن أمثال هؤلاء إذا تطوعوا بالبلاغ بدلاً مما هو حاصل، إذ يعتبر المُبلّغ مشبوهاً ويطالب بكل الأدلة والوثائق أو يعاقب... وربما ينبذ كما حصل لموظف في وزارة العدل. مهما كانت البلاغات الكيدية أو تلك التي يطلق عليها رسمياً «مشاغبة» فإن الانشغال بها لا يشكل شيئاً يذكر في مقابل درء أخطار أخطاء أو رفع ظلم محتمل. ولا شك في أن حب الوظيفة أو الخوف عليها واحد من أسباب عدم تحمل المسؤولية والمبادرة، وهنا تحية للشاب المبدع مالك نجر الذي بث مقطعاً كرتونياً بعنوان «أسباب كارثة جدة» ظهر فيه البطل وهو في حالة عشق مع كرسي الوظيفة. أيضاً لو كان «القطاع الخاص» فيه بعض من حرص وتفاني الباكستاني لما كنا نتألم على ضحايا وخسائر. سواء في جودة تنفيذ المشاريع وهو ما رفع أصوات عدم الثقة في شركات المقاولات المحلية ومطالبات بعودة الكوريين والأوروبيين، وأرجع هذا لحالة التوأمة السيامية التي صارت سمة للعلاقة بين القطاع العام والخاص. جملة أسئلة طرحتها تداعيات كارثة جدة، فهل يمكن اعتبار الحدث وما أعقبه من أمر ملكي بتشكيل لجنة تاريخية موجة تصحيح لواقع يتعدى أخطار السيول إلى بنية وثقافة العمل والإخلاص والذمة؟ هذا من المأمول، بل إن أحدهم طرح سؤالاً يقول: ألا تعتقد أن بأحوالنا أفضل بمراحل قبل كثرة تولي أصحاب شهادات الدكتوراه والهندسة لمفاصل مهمة؟ وردي كان بالإيجاب، لأن ذاك الاحتفال بالحلية الاجتماعية المسماة شهادة حجب شمس حقيقة الشخص ودفع بكثيرين الى البحث عن قلادة. ولقد انهمرت سيول معلوماتية كشفت بعض «الفالصو» لمن يريد فعل شيء للتصحيح لكن لم يتحرك ساكن. www.asuwayed.com