يبدو أن لدى إسرائيل و"حماس" المقدار ذاته من "الشوق" لمبادلة جندي إسرائيلي محتجز في قطاع غزة بسجناء فلسطينيين، ولكنهما حريصتان على تفادي أي رد فعل عكسي في إسرائيل وقطاع غزة حول شروط أي تبادل. وتوضح المخاوف التي صاغتها عقود من الصراع والخوف المرضي وانعدام الثقة السبب وراء شعور الجندي الاسرائيلي جلعاد شليط ونحو 11 ألف فلسطيني محتجزين في سجون إسرائيل بالشك في إمكانية إطلاق سراحهم وذلك بعد ثلاثة أعوام ونصف العام من أسر شليط على الحدود بين غزة وإسرائيل. ويتابع 1.5 مليون فلسطيني يعيشون في قطاع غزة الوضع عن كثب أيضا وهم يدركون أن اطلاق سراح شليط قد يتبعه ضغط غربي على إسرائيل لتخفيف حصار تفرضه على القطاع أفسد الحياة فيه منذ أسرت حماس الجندي عام 2006 . وتأرجحت محادثات من وراء الكواليس توسطت فيها مصر وألمانيا في الاونة الاخيرة بين تقديرات متفاءلة بقرب إبرام اتفاق وتقارير تفيد بأن المفاوضات قد تكون فشلت. وترى إسرائيل أن أي اتفاق لن يكون متوازنا لان حماس تطالب باطلاق سراح مئات السجناء الفلسطينيين مقابل الافراج عن الاسرائيلي الوحيد المحتجز لديها. وتريد حماس إعادة أو على الاقل ضمان اطلاق سراح اسماء وأعداد كبيرة من السجناء مع ارسالهم للمنفى بعدما قتل أكثر من ثلاثة آلاف من سكان غزة بينهم المئات من جماعات النشطاء الموالية لحماس في قتال مع إسرائيل منذ أسر شليط بما في ذلك الحرب التي شنتها إسرائيل على قطاع غزة بنهاية العام الماضي وبداية العام الحالي. وقال مصطفى الصواف وهو كاتب إسلامي في قطاع غزة الواقع تحت سيطرة حماس إن الضغط الشعبي ضخم ويساند حماس حتى لا تقدم تنازلات. وأضاف أنه لا يوجد أمام حماس خيار آخر سوى الالتزام بمطالبها. ومن جانبه يواجه رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو ضغوطا متناقضة بشأن قضية شليط التي أصبحت محط أنظار الاسرائيليين الذين نظم الالاف منهم احتجاجات للمطالبة باطلاق سراحه. لكن نتنياهو يواجه أيضا مطالب خاصة من الإسرائيليين اليمينيين حتى لا يدفع ثمنا باهظا مقابل شليط مثل الافراج عن شخصيات بارزة تريد حماس الافراج عنها وتتهمها إسرائيل بتدبير تفجيرات انتحارية قتلت المئات. وقال الصحفي الاسرائيلي بن درور يميني في عامود بصحيفة معاريف الاسبوع الماضي إن إسرائيل "استسلمت بالفعل" لحماس. وقال إن الافراج عن الكثير من السجناء "سيشجع على المزيد من القتال المسلح ضد إسرائيل ويوجه ضربة قاسية للردع." ومستشهدة بمطالب بأن تحمي مجنديها بأي ثمن أبدت إسرائيل في السابق استعدادها لمبادلة المئات من سجناء العدو بجنودها. وكانت من عمليات المبادلة إفراج إسرائيل عن 1150 سجينا عام 1985 مقابل ثلاثة جنود اسرتهم ميليشيات فلسطينية في لبنان. إلا أن هذه السابقة تمثل عبئا على نتنياهو اليوم إذ يعتقد محللون إنه كانت لها ردود فعل عكسية على الحكومة. لعب كثير من النشطاء الذين أطلق سراحهم في هذه المبادلة دورا بارزا في الانتفاضة الفلسطينية التي اندلعت بعد ذلك بعامين وخسر حزب العمل الاسرائيلي الانتخابات في العام التالي. ويقول محللون إن رئيس الوزراء الاسرائيلي الاسبق اسحق رابين الذي ينتمي لحزب العمل رفض عرضا لتبادل سجناء في التسعينات مقابل الملاح الاسرائيلي رون اراد الذي فقد في لبنان حتى لا يكرر تجربة حزب العمل في الثمانينات لكنه تعرض بعد ذلك لانتقادات من إسرائيليين رأوا أنه خذل اراد الذي لا يزال مصيره غامضا حتى الان. وأطلقت إسرائيل منذ عام 2004 سراح أكثر من 400 سجين في عمليتي مبادلة منفصلتين مقابل رجل أعمال إسرائيلي وجثث ستة جنود. وأفرجت قبل ثلاثة أشهر عن 20 سجينة مقابل شريط فيديو لشليط يثبت أنه ما زال على قيد الحياة. وفي 2008 أفرجت عن سمير القنطار الذي تتهمه إسرائيل بشن هجوم عام 1979 قتل فيه أربعة اشخاص من أسرة واحدة في إطار صفقة مع حزب الله اللبناني مقابل جثتي جنديين إسرائيليين. لكن إسرائيل وحماس تبقيان المفاوضات بشأن شليط طي الكتمان. وقالت مصادر في غزة إن عقبة اعترضت طريق المحادثات قبل أيام قليلة بسبب نحو 50 اسما لنشطاء بارزين تطالب حماس بالافراج عنهم مقابل شليط وذلك في قائمة تضم 400 سجين. وقيل في وقت سابق إن إسرائيل وافقت على 160 اسما في القائمة. وتضم قائمة الاسماء التي تريد حماس الافراج عنها شخصيات مثيرة للجدل مثل مروان البرغوثي القيادي في حركة فتح والتي أصدرت محكمة إسرائيلية حكما بسجنه مدى الحياة لتخطيطه هجمات قتلت العشرات. وفي مؤشر على ارتباط مصير غزة بالانقسامات الفلسطينية الداخلية الغائرة اضطر أنصار للرئيس الفلسطيني محمود عباس الذي يتزعم حركة فتح إلى نفي أن يكون عباس يضغط على إسرائيل حتى لا تفرج عن البرغوثي الذي تربطه علاقات أفضل بحماس والذي قد ينافس الرئيس الفلسطيني في انتخابات العام المقبل. وتشعر إسرائيل وحليفتها الولاياتالمتحدة بالقلق أيضا من أن يخلط البرغوثي النهج الدبلوماسي الذي يتبعه عباس مع إسرائيل بالمواجهة المسلحة التي تفضلها حماس. ولا ترغب إسرائيل كذلك في الافراج عن قيادي في حماس تلقي باللوم عليه في احد أسوأ التفجيرات الانتحارية فيها وهو هجوم وقع عام 2002 وقتل فيه 30 شخصا في فندق بمدينة نتانيا وكذلك السجين الفلسطيني أحمد سعدات المتهم باغتيال وزير إسرائيلي قومي متطرف عام 2001 . وقال دبلوماسي لرويترز "الاتفاق يتوقف على قرار نتنياهو بشأن الموافقة على كل الاسماء في قائمة حماس. حتى الان لم يتخذ قرار حول هذا الامر ولا يوجد ما يشير إلى أن حماس ستقدم أي تنازلات أخرى." ___________ * ألين فيشر إيلان ونضال المغربي