في سياق دورتها البرامجية الجديدة تعرض قناة «أبو ظبي الأولى» برنامج «ستار صغار» (تقديم المذيع الإماراتي سعيد المعمري) الذي يعنى بتنمية المواهب والطاقات الفنية والإبداعية لدى أطفال تُراوح أعمارهم بين الرابعة والثانية عشرة. ويتبارى في كل حلقة ثمانية أطفال على تأدية أغان لمطرب يحلّ ضيفاً على الحلقة، والفائز بينهم من يحصد أعلى نسبة من تصويت جمهور الحاضرين في الأستوديو فضلا عن أن الضيف يبدي ملاحظاته على أداء كل مشترك. والبرنامج إذ يحتفي بالطفولة والبراءة والإبداع، يبتعد قدر الامكان عما هو تجاري وربحي عبر تحاشيه موضة تصويت ال «أس أم أس» التي عادة ما تقصي المستحق وتختار الأقل كفاءة واستحقاقاً تبعاً لعوامل واعتبارات لا علاقة لها بالفن والإبداع مقدار علاقتها بخلفيات ومواقف مسبقة... كما هي الحال في كثير من برامج مسابقات الطرب والغناء للكبار على الشاشات العربية. فالتصويت في «ستار صغار» يقتصر فقط على جمهور الاستوديو الذي يضم غالباً آباء وأمهات المشتركين الأمر الذي يحفزهم على تقديم أفضل ما لديهم ويشعرهم بالأمان والارتياح. كما أن جائزة البرنامج رمزية تتمثل في مجسم نجمة. ولعل الجميل في هذا الصدد هو التقليد الذي تكرس في البرنامج حيث يهدي كل ضيف في نهاية الحلقة الأطفال الثمانية المتبارين على أداء أغنياته هدايا تدخل الفرحة والبهجة في قلوب الصغار الطامحين مبكراً إلى الشهرة والأضواء، وتزيدهم حباً وتعلقاً بهؤلاء النجوم. ولعل دندنة الضيوف ومشاركتهم للأطفال المشتركين الغناء يضفي حالاً تفاعلية معبرة اذ تتقاطع وتتشابك أصوات الأطفال الناعمة مع الأصوات الشجية لكبار المطربين في العالم العربي. وحسبنا الإشارة إلى بعض الأسماء المستضافة في «ستار صغار» من حسين الجسمي واصالة وشيرين عبد الوهاب إلى كاظم الساهر... فمشاركة كل هؤلاء النجوم، للمتسابقين الصغار، الغناء يشجعهم والحال هذه على الاندماج في الجو والإبداع والتحرر من سطوة الخجل والارتباك لدى بعضهم، وهذا لا ينفي أن عدداً منهم وعلى مدار حلقات البرنامج تميزوا بجرأة وثقة عالية بالنفس على رغم صغر سنهم. وإمعانا في تأكيد البرنامج هويته كبرنامج خاص بالأطفال الموهوبين ترافق الضيف على المسرح عند تقديمه لمجموعة من أغنياته فرقة رقص استعراضية تتكون من فتيان وفتيات صغار يتمايلون كفراشات ملونة على مسرح «ستار صغار». ولعل أكثر ما يميز هذا البرنامج تشجيعه هذه المواهب الصغيرة التي يمثل البرنامج منبراً لإطلالها على الجمهور، ما يشكل دفعة معنوية ستترك بصماتها على عدد منهم في مضيهم في طريق الغناء والطرب... خصوصاً أنهم يلتقون وجهاً لوجه على مدى كل حلقة بمطربين ومطربات مشهورين ما يضعهم في تماس مباشر مع النجوم وعوالم النجومية. ومن شأن هذه الخطوة ان تزيد ولا شك من ثقتهم بنفسهم وبقدراتهم وإمكاناتهم الفنية المتواضعة الآن لكنها مع المثابرة والمران واكتساب المعارف والثقافة الفنية شيئاً فشيئاً ستتعاظم وتتطور لتفرز مشاريع فنانين مبدعين في المستقبل. وتجدر الإشارة في هذا السياق إلى فقرة بالغة الأهمية في البرنامج والتي يطرح خلالها كل طفل مشترك سؤالاً معيناً على الفنان الضيف ما يشكل فرصة لاختبار مستوى تقدم وعي الأطفال وذكائهم وأسلوب المخاطبة وسعة الخيال لديهم والتي لا تخلو أحياناً من طرافة وغرابة. ففي حلقة الفنانة الكويتية شمس مثلا سألها احد الأطفال إن كانت تقبل الزواج به فما كان منها إلا أن ذهبت إليه لتحتضنه وتقبله. ويظهر البرنامج علاوة على كل ذلك جوانب أخرى من شخصيات الضيوف الذين اظهروا بطبيعة الحال حبهم للأطفال بحس مرهف وصادق لم يكن لاعتبارات الكاميرا وطبيعة البرنامج دور فيه بل هو أتى تعبيراً عن دواخل إنسانية شفافة. ولا شك في أن كثير من ضيوف البرنامج عادت بهم الذاكرة إلى أيام طفولتهم وبداياتهم الفنية، فغالبيتهم كانوا كهؤلاء الأطفال يملكون موهبة الغناء والطرب منذ نعومة أظفارهم وان لم تتح لهم بالطبع في حينه برامج متخصصة في تقديم المواهب الفنية وصقلها لدى أطفال صغار بالكاد تتجاوز أعمارهم العقد من السنين. وعموما فالفنان الحقيقي المبدع الذي هو تعريفاً إنسان يفيض مشاعر وأحاسيس راقية في داخله وهو، دوماً، طفل بريء محب للفن والجمال والسلام والخير. انه برنامج أكثر من ممتع وضروري، وهو لن يكون قطعاً برنامجاً عابراً... بل ربما سنرى محطات أخرى تبادر إلى استلهام الفكرة وتطويرها وتقديمها بصيغ وأشكال مختلفة الأمر الذي يصب في مصلحة الاهتمام أكثر فأكثر بالأطفال وقضاياهم وطموحاتهم بوصفهم مداميك المستقبل في كل مجتمع حيوي. وغني عن البيان أن المجتمعات المتقدمة تشكل الطفولة فيها قيمة عليا ورأسمالاً مربحاً ومستداماً إذا توفر لها كل مقومات الرعاية والحماية ومعطيات الإبداع والابتكار. وليس خافياً أن الفضاءات التلفزيونية العربية تهمش قضايا الأطفال وتعاني نقصاً فادحاً في تناول شؤونهم ومخاطبتهم وفق طرائق علمية تحفز الملكات الإبداعية الخلاقة لديهم وليس فقط الاقتصار على تقديم أفلام الكرتون وبرامج التسلية لهم كما هو سائد. ف «ستار صغار» إذ يحتفي بالطفولة وباكتشاف المواهب والقدرات الإبداعية لدى أطفال في عمر الزهور يمثل دعوة لتعميم قيم الفرح والسعادة والإنجاز والاستثمار في بناء الإنسان وتنمية شخصيته وقدراته وتوسيع آفاقه والارتقاء بذائقته وحساسيته الفنية والجمالية من الصغر. * «أبو ظبي الأولى، 17 بتوقيت غرينتش.