لقي قرار تعيين الأكاديمي عماد أبو غازي أميناً عاماً للمجلس الأعلى للثقافة في مصر قبل أيام ترحيباً استثنائياً من قطاعات كبيرة في النخبة المصرية، مثله مثل قرار تعيين الصحافي حلمي النمنم نائباً لرئيس هيئة الكتاب المصرية، التي لم يعين لها رئيس حتى الآن في المقعد الذي خلا مع وفاة ناصر الأنصاري وشغله موقتاً رئيس دار الكتب والوثائق القومية صابر عرب. ولم يكن اختيار أبو غازي لمنصبه مفاجئاً لأسباب عدة أهمها: طول الفترة التي قضاها معاوناً للأمين العام السابق للمجلس الأعلى للثقافة المفكر جابر عصفور والممتدة إلى عشر سنوات بدأت منذ أن أسند إليه عصفور عام 1999 مهمة الإشراف على الشُعَب واللجان الثقافية في المجلس، وهي مهمة واصلها مع علي أبو شادي الذي ظل أميناً عاماً للمجلس حتى منتصف تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي. ورحبت أصوات كثيرة في الصحافة المصرية بالقرار، فأبو غازي ليس غريباً عن الحياة الثقافية، فهو نجل الناقد التشكيلي والمفكر بدر الدين أبو غازي (1920 - 1982) الذي كان وزيراً للثقافة المصري في مصر من 1970 الى 1971». وهو أيضاً سليل عائلة أنجبت العديد من المفكرين والفنانين يأتي في مقدمهم مثال مصر العظيم محمود مختار (خال والدته). والأهم من هذا الميراث العائلي أن أبو غازي له من المؤهلات العلمية ما يضمن استحقاقه لهذا المنصب الرفيع، فهو حصل على درجة الماجستير في الوثائق عام 1988 ثم الدكتوراه عام 1995، وهو الآن أستاذ مساعد للوثائق في جامعة القاهرة وله الكثير من المؤلفات. وعطفاً على مؤهلاته العلمية ينتمي أبو غازي الى جيل السبعينات في مصر، الذي أعطى الكثير على الصعيدين الثقافي والسياسي، وقدم نفسه للحياة العامة في مصر عبر مشاركاته في الاحتجاجات الطلابية، فضلاً عن اللجوء الى صحافة الماستر لإيصال صوته. وكان أبو غازي من مؤسسي مجلة «مصرية» مع عبدالعزيز جمال الدين والمترجم الراحل بيومي قنديل، وهي مجلة سعت في الثمانينات إلى الاهتمام بتاريخ مصر في سنوات الصعود والهبوط بأمل الكشف عن «هوية مصرية خالصة». وإلى جانب عمله الأكاديمي الخالص يركز أبو غازي على كتابة المقالات المتعلقة بتاريخ مصر، ولفتت الجميعَ مقالاته في الإصدار الأول من صحيفة «الدستور المصرية» (1995 – 1998) بالدعوات التي تبناها لقراءة جديدة لبعض الملفات الشائكة في تاريخ مصر، وهي ملفات ما زالت تشغله في الصفحة التي يحررها حالياً في صحيفة «الشروق» المصرية. أعطى أبو غازي الكثير من خبراته في مجال التوثيق لمشاريع بحثية مهمة منها مشروع توثيق تاريخ الحركة الشيوعية المصرية مع مركز البحوث والدراسات العربية، وهو مشروع رائد في اعتماده على استخدامات التاريخ الشفوي باعتبارها جزءاً من الأرشيف ووسيلة من وسائل سدّ الثغرات التي يتركها، عادة، التاريخ الرسمي، كما عمل مع مكتبة الإسكندرية في مشاريع بحثية مهمة ضمن مشروع «ذاكرة مصر المعاصرة». وفي ما يبدو أن ولعه بالتاريخ يرسم آفاق رؤيته لطبيعة العمل في المجلس الأعلى للثقافة خلال الفترة المقبلة، فهو يؤكد: «الاستمرار في السياسات التي أرساها عصفور وأبو شادي في شأن دعم مشروع الدولة المدنية». وهو يعتبر نفسه في معنى ما «امتداداً للسياسة نفسها التي رسمت من قبل وشريكاً فيها، فهي التي ساهمت في جعل المجلس أحد أبرز المؤسسات على الصعيد العربي». وشدد على أنه سيواصل الانفتاح على الأجيال الجديدة في الثقافة المصرية والعربية، إضافة إلى التوسع في المؤتمرات الإقليمية المكرسة للرواية والشعر وفنون القصة القصيرة، لأن سياسة المجلس، بحسب قوله، ترسمها لجان متخصصة وهيئته العليا، الممثلة في وزير الثقافة وقيادات الوزارة و32 عضواً من المجلس الأعلى للثقافة، وبالتالى فإن أي تغيير في السياسية يجب أن يمر على هذه الهيئة ولا يخضع لأهواء الأمين العام كما يعتقد بعضهم». وأكد أبو غازي ل «الحياة» أنه سيتجه نحو «الجنوب المهمل»، على حد قوله. مركزاً على «البعد الإفريقي» للثقافة المصرية من دون إهمال للدوائر الأخرى، لافتاً إلى أن المجلس في سنوات سابقة تعاون مع مؤسسات يابانية وسوف يستمر في الاتجاه نحو «تخصيب الثقافة المصرية» ب «سياسة التنوع الثقافي المبدع». وفي هذا السياق يسعى أبو غازي إلى مزيد من التعاون مع المؤسسات الثقافية المستقلة المنتشرة في مصر. ويقول: «لست في تنافس معها وعملنا يكمل عملها» مشيراً إلى أنه سيعمل على توجيه لجان المجلس لإنجاز مهمة أصيلة في صلب عملها، وهي مهمة «رسم السياسات الثقافية». ويرفض الأمين العام الجديد للمجلس الأعلى للثقافة الآراء التي تعتبر المجلس «حظيرة المثقفين في مصر» أو نقطة استقطاب المثقفين للعمل لمصلحة أجهزة الدولة. ويقول: «التعامل بين المثقف والدولة ليس جريمة أو اتهام، والمجلس مستهدف لأنه مؤسسة نشيطة، لكنها لا تطلب من أي مثقف أن يتنازل عن أفكاره ومن يشارك في عضوية لجان المجلس يشارك بصفته وقيمته ووزنه الفكري وليس بسبب انتمائه السياسي».