بقيت مداولات معظم الوزراء تحت السيطرة في الجلسة التي عقدها أمس مجلس الوزراء اللبناني برئاسة رئيس الحكومة تمام سلام وطغى عليها اعتراض وزير «حزب الله» حسين الحاج حسن على خطاب سلام في القمة العربية في شرم الشيخ، مع أنه لم يلق في اعتراضه هذا تجاوباً من حلفائه في الحكومة الذين حرصوا على «تدوير الزوايا» من دون أن يتعرضوا بانتقادات مباشرة أو غير مباشرة للمملكة العربية السعودية التي تقود عملية «عاصفة الحزم» لإعادة الشرعية الى اليمن. وتميزت الجلسة بموقف لافت لوزيري «اللقاء النيابي الديموقراطي» وائل أبو فاعور وأكرم شهيب، والذي جاء منسجماً مع الذي عبّر عنه رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط وانتصر فيه لكل ما ورد في خطاب الرئيس سلام أمام القمة العربية. ولم تخل الجلسة من بعض الحدة في تبادل المواقف، لا سيما بين الوزير في تيار «المستقبل» أشرف ريفي وبين الحاج حسن ورفيقه في «حزب الله» محمد فنيش وإنما بحدة أخف. لكن سلام بقي صامداً على موقفه ولم يحد عنه قيد أنملة، ولقي تأييداً من ثلثي أعضاء الحكومة، فيما لم يتناغم الوزراء المحسوبون على «قوى 8 آذار» مع موقف وزيري «حزب الله» كما كان يتوقعه الحزب. مداخلة سلام وكانت الجلسة بدأت بمداخلة لسلام قال فيها - كما نقلت مصادر وزارية ل «الحياة» -: «حرصت شخصياً على تأكيد حرص لبنان على التضامن العربي وعلى ضرورة تعزيزه وهذا من ضمن مصلحتنا الوطنية التي تقتضي أن نتكاتف مع إخوتنا العرب، بخاصة أننا نشهد نهضة عربية وتكاتفاً لمواجهة العديد من التحديات، إضافة الى تأكيدنا علاقتنا مع المملكة العربية السعودية ودول الخليج العربي». وأضاف سلام - وفق المصادر - أن «موقفنا في القمة العربية في شرم الشيخ كان مدروساً ومعتنى به، والهدف واضح، للإبقاء على قيمتنا ومكانتنا العربية من دون أن نتنازل عن شيء قد يعرضنا الى إشكالات نحن في غنى عنها». الحاج حسن وأزمة اليمن وتبعه الحاج حسن الذي استهل مداخلته بالقول إن «الخلاف في اليمن هو خلاف يمني- يمني، فأنصار الله والرئيس علي عبدالله صالح والرئيس عبدربه منصور هادي هم من اليمن، وكذلك الأطفال الذين قتلوا بسبب الغارات التي استهدفتهم. إن جميع هؤلاء عرب وليس صحيحاً القول إن تدخل فريق مشروع وآخر غير مشروع. والموقف العربي غير موحد طالما اعترض عليه العراقوالجزائر في غياب سورية عن القمة العربية». واتهم الحاج حسن الرئيس هادي بالانقلاب على الاتفاق وقال: «نحن ضد العدوان السعودي على اليمن ولا نوافق عليه مع احترامنا لموقف الرئيس سلام وموقعه». وسأل: «إذا كانت الحرب على اليمن عربية فما دخل تركيا وباكستان وحتى إسرائيل التي تدخلت، وهناك أكثر من دولة عربية تدعم الإرهاب وتشجعه؟». كما سأل: «إذا كان الهدف من إنشاء القوة العربية المشتركة محاربة الإرهاب، فإن بعض الدول العربية تتهم «حزب الله» بالإرهاب وكان من الأفضل أن تشكل هذه القوة لمناصرة الشعب الفلسطيني ضد العدو الإسرائيلي ونحن من هنا على مدى سبعين سنة لم نشهد تدخلاً لمصلحة هذا الشعب المظلوم». وتطرق الحاج حسن الى بعض المواقف التي صدرت عن السفير السعودي في لبنان علي عواض عسيري وقال: «إنه يقول إن هناك نواباً لبنانيين بعدم حضورهم الى البرلمان يمنعون انتخاب رئيس جمهورية جديد، وهذا ليس بجديد، وإذا كان يقصدنا مع حليفنا «تكتل التغيير والإصلاح» فنحن نقول لن ننزل الى البرلمان إلا بعد الاتفاق على الرئيس». وتوجه الحاج حسن الى سلام وقال: «نحن لا نوافق على ما قلته في القمة العربية وكلمتك لا تعبر عن موقف الحكومة ونحن جزء من اللبنانيين لا نؤيد ما قلته مثلما أن الجزء الآخر يؤيدك. إن ما حصل هو عدوان على اليمن». وتحدث فنيش وقال: «نحن لا نريد أن نستحضر مشكلة الى مجلس الوزراء وكان يفترض أن نتوافق على صياغة موقف موحد تذهب فيه الى القمة العربية، ونحن لم نطلع على الخطاب ولا على بعض عناوينه، لذلك فإن موقفك باسم لبنان لا يعبر عن موقف الحكومة، وإن ما صدر عن هذه القمة لم يحظ بإجماع الدول المشاركة نظراً الى معارضة الجزائروالعراق، وإذا كانت هذه الدول تدخلت في اليمن بطلب من الشرعية فيه كما يقال، فلماذا لم تحترم الشرعية في سورية؟». ... وريفي يرد ورد ريفي بعنف على الحاج حسن وفنيش، وبدأ مداخلته بتوجيه التحية الى سلام على موقفه في شرم الشيخ، وقال إن «دائرتنا الأولى لبنانية. والثانية عربية وليست فارسية وإيرانية، إن أنصار الله يتحركون بدعم مباشر من إيران وهي تتدخل في الشؤون الداخلية للدول العربية وبسببها نشهد هذا الصراع المذهبي والطائفي في المنطقة وتحول أخيراً الى صراع عربي- فارسي». ولفت ريفي الى أن «العدوان الإيراني مستمر على عدد من الدول العربية ولم يتوقف، وإلا لماذا يتدخل الحرس الثوري في لبنانوالعراق وسورية؟». ورد الحاج حسن بتلاوته معظم الفقرات الواردة في خطاب سلام في شرم الشيخ وحدد تلك التي لا يوافق عليها. وتدخل وزير الداخلية نهاد المشنوق وقال إن «مجلس الوزراء ليس هو المكان للنقاش فيه حول اليمن، والسفير عسيري اضطر للرد لأنه اتهم وزير الخارجية السعودي الأمير سعود الفيصل بالتدخل لتعطيل انتخاب رئيس جمهورية جديد، مع أن الجميع يدرك أن موضوع الرئاسة في ظل تعذر انتخاب الرئيس أدى الى حصول جدل تشارك فيه الجميع، ومن غير الجائز توجيه اتهام للسعودية طالما نحن شركاء في المماحكة التي لن تتوقف إلا بانتخاب الرئيس». أبو فاعور: مع العرب وتحدث أبو فاعور وقال: «علينا أن نعترف أن هناك قصة جديدة مطروحة تتعلق باليمن ويدور حولها خلاف كبير. والنقاش يجري بهدوء، وهذا أمر جيد طالما أنه باق تحت سقف الاتفاق على بقاء الحكومة والحفاظ على أجواء الحوار الداخلي». وأضاف أبو فاعور: «لبنان لم يعلن الانضمام الى القوة العربية المشتركة وهي ما زالت مبادرة ونتمنى أن تكون هناك قوة مشتركة، لكن ما يحصل في اليمن ليس صراعاً يمنياً- يمنياً، وهناك دول مثل السعودية تواجه تهديداً مباشراً لأمنها الوطني، وبالتالي ما قامت به مبرر لأجل الحفاظ على أمنها الوطني». وأكد أبو فاعور أن «لبنان لا يستطيع إلا أن يكون مع العرب من منطلقات قومية وعربية أولاً، وما قاله الرئيس سلام في القمة كان في المكان الصحيح ولم يكن في وسعه أن يقول أقل مما قاله في شرم الشيخ، فالنص كان دقيقاً ومصيباً وحريصاً في تأكيده على التضامن العربي». ورأى أن ما حصل في اليمن لم يكن بين شعبه فحسب، وإنما هناك قوى إقليمية وأدواراً إقليمية، والسعودية تعتبر أن أمنها الوطني على المحك ولبنان لا يجب أن يكون إلا الى جانب العرب. أما حول الكلام عن الإرهاب ودعمه وتمويله فليس هناك إرهاب أشد من إرهاب بشار الأسد الذي يقتل شعبه بمادة الكلور والبراميل المتفجرة، ولا مجال للمقارنة بين الشرعية الدستورية في اليمن وبين ما يسمى بالشرعية في سورية. وسأل أبو فاعور: «أي شرعية للأسد الذي هجّر 6 ملايين سوري وقتل ما قتل من شعبه وأجرى انتخابات شكلية؟». واعتبر أن ما صدر عن السفير عسيري أمر طبيعي، وقال: «إنه رد على المواقف التي طاولت المملكة في لبنان، وكل سفير ليس مضطراً فقط، بل من واجبه الدفاع عن بلده ضد الحملات التي تستهدفها. ونتمنى أن نتجاوز موضوع اليمن وألا ندخل في سجال حول طاولة مجلس الوزراء». باسيل يوضح وشرح وزير الخارجية جبران باسيل ما حصل في اجتماع وزراء الخارجية العرب تحضيراً لانعقاد القمة العربية، وقال إن «وحدة اللبنانيين أهم من التضامن العربي، ومع أنه لم يكن من إجماع عربي حول ما صدر عن هذه القمة، فأنا أقول للأمانة إنه كان هناك جو عربي طاغ». وقال وزير المال علي حسن خليل: «نحن تاريخياً كنا نتحدث باستمرار عن ضرورة تشكيل قوة عربية مشتركة لكن ضد إسرائيل، ولا أرى من حل لليمن إلا بالحوار الداخلي ويكون فيه دور فاعل لدولة سلطنة عمان لأنها دولة خليجية ونعرف جميعاً ما لها من حضور وعلاقات. وعلى رغم تفهمنا لكثير من قلق دول الجوار، فإن استمرار القتال في اليمن سيؤدي الى تقسيمه، ولا مجال لنا سوى الدعوة الى حوار سعودي- إيراني». وفيما ركزت الوزيرة أليس شبطيني على ضرورة احترام «إعلان بعبدا»، قال الوزير رشيد درباس موجهاً كلامه الى سلام: «إن كلامك يا دولة الرئيس أبقى على اليمن في اليمن وكلام الحاج حسن أحضر النزاعات الى مجلس الوزراء، وهذا لا نستطيع أن نقدر عليه أو أن نتحمله، لأنه ليس من صلاحيات مجلس الوزراء. من يدقق في كلمتك يجد فيها نهجاً للسياسة اللبنانية منذ أن كان لبنان، وأنت كنت مع التضامن العربي ومباركتك لتشكيل قوة عربية مشتركة لا تعني أن لبنان طلب الانضمام إليها». وتابع درباس: «هناك من يتهم دول الخليج بدعم الإرهاب. هذه المسألة تحتاج الى أدلة وتدقيق، أما الأمر الذي ليس في حاجة الى الأدلة والتدقيق فهو ما يتعلق بمصالح اللبنانيين في دول الخليج، وإذا كنتم تريدون الأمر كذلك ما عليكم إلا أن تتحملوا نتيجة ما يرتبه على اللبنانيين هذا الاتهام». وسأل: «ما العجب إذا توجه سلام بالشكر الى المملكة. وهو شكرها على الهبة المالية التي قدمتها للجيش والقوى الأمنية، هذه الهبة التي صوت عليها مجلس الوزراء وكان «حزب الله» حاضراً ومؤيداً». ورد درباس على قول الحاج حسن عن وجود تدخل باكستاني وتركي في اليمن، وقال إن «الزميل اعترض على هذا التدخل وأنا أقول له معك حق، وفيه هلال سني بدأ يظهر في وجه هلال شيعي، وهما يشتبكان الآن وأرى نجمة داود مبسوطة» (في إشارة الى دور إسرائيل في تأجيج الصراع بين المسلمين). وعاد المشنوق وانتقد حديث الحاج حسن عن الوهابية وقال: «أنتم تحكون عن الوهابية، هذه شغلة مشايخ وليس مكانها في مجلس الوزراء، وما قاله الرئيس سلام كان في محله ولا أرى من مبرر لهذه الهجمة عليه». وختم سلام النقاش مؤكداً: «هذا الأمر متفاهم عليه مع وزير الخارجية، وأنا رئيس الحكومة وأنطق باسمها وأتخذ المواقف، ومن غير الجائز أن أعود في كل موقف وقبل أن أتخذه الى مجلس الوزراء. ولا أحد يعترض على حق كل وزير في أن يبدي رأيه». ودعا ريفي الى عدم تجاهل الدور الإيراني في المنطقة «لأنه وضعنا أمام صراع عربي- فارسي وليس صراعاً بين السنّة والشيعة، لأن هناك الكثيرين من الشيعة يرفضون الالتحاق بإيران ولا يوافقون على مشروع ولاية الفقيه». وأضاف: «آسف لأن أقول إن الدور الإيراني هو اعتداء موصوف على بعض الدول العربية وهو يضع أدوات محلية لدوره، مثل أنصار الله في اليمن وحزب الله في لبنان ومجموعات أخرى في سورية والعراق، وهذا ما أدى الى نقل الصراع من عربي- إسرائيلي أو إسلامي- إسرائيلي الى صراع عربي- فارسي. وأنتم تذكروننا الآن بالفصيل الفلسطيني الذي اعتبر أن تحرير القدس يمر عبر جونية، وكأننا نسمع أن تحرير فلسطين يتم بالصدام مع العرب. باعتبار أن العواصم الأربع أصبحت تحت نفوذ المشروع الإيراني. ما حصل في اليمن هو استفاقة عربية لتعيد الأمور الى نصابها الطبيعي». وغمز ريفي من قناة وزارة الخارجية لتغييبها أي ذكر ل «إعلان بعبدا» في بياناتها أو مواقفها، وردّ باسيل بأن البيان الوزاري كان أدى الى توافق على تأييد مقررات الحوار الوطني، ومنها تحييد لبنان عن الصراع في المنطقة. تعيين وكان المجلس عقد جلسة له في السراي الكبيرة برئاسة سلام الذي كرر، كما في كل جلسة، المطالبة «بضرورة انتخاب رئيس جديد للجمهورية». وقال وزير الاعلام رمزي جريج الذي تلا المقررات ان الرئيس سلام «عرض مشاركة لبنان في مؤتمر القمة، فأشار في عرضه الى ان موقفه عبّر عن حرص لبنان على التضامن العربي وعلى تمتين العلاقة مع دول الخليج وخصوصاً المملكة العربية السعودية. كذلك عرض مشاركة لبنان في مؤتمر الدول المانحة في الكويت، والنتائج التي أسفر عنها بالنسبة الى المساعدات التي يتوقعها لمواجهة المشكلات المتأتية عن النزوح السوري. وعلى الأثر جرت مناقشة أبدى خلالها الوزراء وجهات نظرهم حول المواضيع المعروضة، وقد انتهت هذه المناقشة الى تأكيد الجميع ثقتهم بالرئيس سلام وحرصهم على استمرار الحكومة في عملها تأميناً للمصلحة الوطنية العليا». وقرر مجلس الوزراء بعد مناقشة المواضيع المدرجة على جدول أعمال الجلسة الموافقة على تعيين فؤاد فليفل أميناً عاماً لمجلس الوزراء، ومحافظاً لجبل لبنان بالوكالة (حتى يتم الاتفاق على آلية التعيين)، بعد إحالة الأمين العام الحالي لمجلس الوزراء سهيل بوجي الى التقاعد. كما قرر وضع مديرعام التعاونيات جوزف طربيه بالتصرف. وبعد انتهاء الجلسة رأى وزير التربية الياس بوصعب ان «تعيين فليفل، أميناً عاماً لمجلس الوزراء خلفاً لسهيل بوجي، يثبت أن الحكومة قادرة على إجراء تعيينات».