أكد وزير الخارجية السعودي الأمير سعود الفيصل اليوم (الثلثاء) أن المملكة لم تدخر جهداً مع أشقائها في دول مجلس التعاون الخليجي والأطراف الدولية الفاعلة في العمل المخلص الجاد بغية الوصول للحل السلمي لدحر المؤامرة على اليمن الشقيق، وحل مشاكله والعودة إلى مرحلة البناء والنماء بدلاً من سفك الدماء، مؤكداً استمرار «عاصفة الحزم» للدفاع عن الشرعية في اليمن حتى تحقق أهدافها ويعود اليمن آمناً مستقراً وموحداً. ونقلت «وكالة الأنباء السعودية» (واس) عن وزير الخارجية قوله إن «ميليشيا الحوثي وأعوان الرئيس السابق - وبدعم إيران - أبت إلا وأن تعبث في اليمن، وتعيد خلط الأوراق وتسلب الإرادة اليمنية، وتنقلب على الشرعية الدستورية، وترفض كل الحلول السلمية تحت قوة السلاح المنهوب، في سياسة جرفت اليمن إلى فتن عظيمة وتنذر بمخاطر لا تحمد عقباها». جاء ذلك خلال حضور الأمير سعود الفيصل جلسة مجلس الشورى العادية ال 26 التي عقدها المجلس اليوم برئاسة رئيس المجلس الدكتور عبد الله آل الشيخ، بناءً على طلب من المجلس. وأضاف الفيصل "إننا لسنا دعاة حرب، ولكن إذا قرعت طبولها فنحن جاهزون لها، وأمن اليمن جزء لا يتجزأ من أمن المملكة والخليج والأمن القومي العربي. فكيف إذا جاءت الاستغاثة من بلد جار وشعب مكلوم، وقيادة شرعية، تستنجد وقف العبث بمقدرات اليمن، وتروم الحفاظ على شرعيته ووحدته الوطنية وسلامته الإقليمية واستقلاله وسيادته. ومن هذا المنطق حظي التحالف للدفاع عن الشرعية في اليمن، بمباركة واسعة وتأييد شامل من لدن أمتنا العربية والإسلامية والعالم". ووصف الوضع في سورية بالمأساة التي تجاوزت كل المطامع السياسية ومراميها، وقال "فاقت المأساة السورية كل حدود، وأصبحت وصمة عار في جبين كل متخاذل عن نصرة هذا الشعب المنكوب. فالقتلى يكاد يصل عددهم إلى نصف مليون شاملاً القتلى غير المعلن عنهم، ومهجرين ولاجئين يفوق عددهم 11 مليون شخص". وقال الفيصل "إننا أمام مأساة مريعة تجاوزت كل المطامع السياسية ومراميها، فهناك كارثة إنسانية لم يشهد لها مثيل في تاريخنا المعاصر، وضحيتها وللأسف الشديد بلد عربي عزيز، تدمر بنيته ويذبح شعبه بلا هوادة ولا لين بيد آثمة من المفترض أن تحميه وتحفظ مصالحه". وأضاف: "إن المملكة العربية السعودية التي تستشعر حجم آلام ومعاناة الشعب السوري، تقف قيادةً وشعباً خلف كل جهد ممكن في سبيل إحياء الضمير العربي والدولي لوضع حد لهذه الكارثة الإنسانية، وذلك عبر الدفع بالحل القائم على مبادئ إعلان (جنيف 1) الذي يقضي بتشكيل هيئة انتقالية للحكم بصلاحيات سياسية وأمنية وعسكرية واسعة، لا يكون للأسد ومن تلطخت أيديهم بدماء السوريين أي دور فيها، مع السعي نحو تحقيق التوازن العسكري على الأرض لإرغام سفاح دمشق للاستجابة إلى الحل السلمي في ظل إصراره على الحسم العسكري الذي دمر البلاد وشرد العباد. وحتى يعود السلام لهذا الجزء الغالي من أمتنا العربية ويشيد أبناءها عز دمشق، وعز الشرق أوله دمشق". وعن العراق، قال الفيصل "قاست بغداد الأمرين على أيدي زمرة من أبنائها مدفوعين من قِبَلِ أطراف خارجية تلهث من أجل إشاعة الفتنة والفرقة والتناحر، ولا تكف عن ارتكاب الجرائم وبث الكراهية، وغرس الحقد في عاصمة الرشيد وملتقى الحضارات التي كانت تشكل في وقت من الأوقات حديقة غناء يفوح عبيرها بعبق التنوع وثراء التعددية، ليس فقط في موطننا العربي، بل وفي العالم بأسره وعلى مدى قرون طوال". وأعرب عن تفاؤله بتشكيل الحكومة العراقية الجديدة، وما أعلنته عن عزمها وتصميمها على إعادة بناء العراق على أسس وطنية وبمساهمة من جميع العراقيين بكافة مكوناتهم دون إقصاء لمذهب أو طائفة أو عرق، بالإضافة إلى تعهدها بالقضاء على الإرهاب أيا كانت مسمياته. وإزالة كل مظاهر الميليشيات المسلحة. وأضاف الفيصل "حظي هذا التوجه الإيجابي بتأييدنا التام، إذ انعكس على السعي نحو تطوير العلاقة والشروع في إعادة فتح سفارة المملكة في بغداد، بالإضافة إلى المشاركة الفعالة في التحالف الدولي لمحاربة تنظيم داعش الإرهابي". وفيما يخص ملف العلاقات مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية، قال: "كنا نتوقع عند قيام الثورة الإيرانية التي سرنا أن تطلق على نفسها الإسلامية، أن تكون نصيراً لقضايانا العربية والإسلامية، وعوناً لنا في خدمة الأمة الإسلامية، وترسيخ الأمن والاستقرار في المنطقة، إلا أننا فوجئنا بسياسة تصدير الثورة، وزعزعة الأمن والسلم والتدخل السافر في شؤون دول المنطقة، وإثارة الفتن والشقاق بين أبناء العقيدة الواحدة. هذا التوجه أثار لدينا العديد من التساؤلات حول ماهية المصلحة التي ستجنيها إيران من تقسيم العالم العربي والإسلامي، ومحاولات الدفع بهما إلى الهاوية التي لا صعود منها". وأضاف الفيصل "إننا اليوم لن ندين إيران أو نبرأها من الاتهامات الملقاة على عاتقها، ولكننا سنختبر نواياها، بأن نمد لها أيدينا كدولة جارة مسلمة، لفتح صفحة جديدة، وإذا كان لنا أن نعتبر إيران بلد حضارة، ونحن نعتبرها وشعبها كذلك، فإن واجبها يحتم عليها أن تكون بانية حضارة ترتقي بالأمن والسلم في المنطقة ولا تزعزعه. كما أنها كبلد مسلم، فإن كتاب الله وسنة رسوله المصطفى صلى الله عليه وسلم يفرض عليها خدمة قضايانا الإسلامية لا تشتيتها وتفريقها، وعلى إيران أن تدرك أن دعوة التضامن الإسلامي وجدت لتبقى، وستبقى بمشيئة الله تعالى. والأجدى لإيران أن تشارك في هذا التوجه بدلاً مما تسميه بتصدير الثورة". وعن الملف النووي الإيراني طالب الفيصل دول (5+1) بأن تسعى أولاً إلى تحقيق التوافق بين إيران والدول العربية، بدلاً من الالتفاف على مصالح دول المنطقة لإغراء إيران بمكاسب لا يمكن أن تجنيها إلا إذا تعاونت مع دول المنطقة. وقال إن "الملف النووي الإيراني يظل أحد الهواجس الأمنية الشديدة الخطورة على أمن المنطقة وسلامتها، والتاريخ يشهد أنه لم يدخل سلاح في المنطقة إلا وجرى استخدامه. من هذا المنطلق دعمنا دائماً الحل السلمي القائم على ضمان حق إيران ودول المنطقة في الاستخدام السلمي للطاقة النووية وفق معايير وإجراءات الوكالة الدولية للطاقة الذرية وتحت إشرافها. وبما ينسجم مع قرار الجامعة العربية الرامي إلى جعل منطقة الشرق الأوسط والخليج العربي منطقة خالية من كافة أسلحة الدمار الشامل بما فيها السلاح النووي". وبيّن الفيصل أن المملكة تدعو إلى توسيع مهام التحالف الدولي لمحاربة تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) في العراق وسورية، مع الاستمرار في دعوتها نحو توسيع هذا التحالف ليصبح بمثابة الشرطة الدولية لمحاربة كافة التنظيمات الإرهابية دون استثناء وفي أي مكان وجدت. أخذاً في الاعتبار أن المواجهة الفكرية للإرهاب لا تقل أهمية عن مواجهته أمنياً، وكذلك قطع كل سبل التمويل عنه، باعتباره أحد أكبر المخاطر التي باتت تواجه العالم، وتهدد الأمن والسلم الدوليين، حيث يتمدد في العالم بكافة أشكاله وصوره وتعدد مصادره، واختلاف الجهات التي تقف وراءه. وقال: "لست هنا بمعرض الحديث عن الجهود الداخلية لحكومة المملكة، وهي واضحة لكم، في ظل ما حققته من نتائج إيجابية في محاربة الإرهاب أمنياً وفكرياً وتمويلياً، ونجحت ولله الحمد في القضاء استباقياً على التنظيمات الإرهابية على أرضها. إلا أن إدراك المملكة لعالمية ظاهرة الإرهاب كثف من جهودها على الساحتين الإقليمية والعالمية لتكريس التعاون الدولي في مكافحة الإرهاب وفق استراتيجية واضحة، بأهداف محددة، وإمكانات مؤثرة، والتصدي له بروح جماعية تقي العالم من شروره وتقتلعه من جذوره. ولترجمة هذه الرؤية شرعت المملكة في تحركها منذ وقت مبكر، وتحديداً في العام 1425ه عندما استضافت الرياض أول مؤتمر عالمي لمكافحة الإرهاب وعلى مستوى المختصين الأمنيين، استتبع ذلك إنشاء المملكة للمركز الدولي لمكافحة الإرهاب تحت مظلة الأممالمتحدة وتبرعت له بمبلغ 100 مليون دولار، كما لم تتوان المملكة عن المشاركة في جميع المبادرات الدولية لمكافحة الإرهاب والفكر المتطرف المؤدي إليه". وجدد الفيصل التأكيد على أن القضية الفلسطينية المحور الأساس لسياسة المملكة الخارجية، ويرتكز موقف المملكة تجاه هذه القضية على السعي لتحقيق السلام العادل والدائم والشامل الذي يشكل صلب مبادرة السلام العربية التي طرحتها المملكة وتبنتها جامعة الدول العربية على رغم جسامة التحديات وترابطها، جعل من كل قضية تشكل أولوية بحد ذاتها يتطلب التعامل معها بجهد متواز وعلى كافة الأصعدة الثنائية والمتعددة. وأكد أن سياسة المملكة الخارجية مبنية على ثوابت محددة أهمها: الانسجام مع مبادئ الشريعة الإسلامية، والدفاع عن القضايا العربية والإسلامية، وخدمة الأمن والسلم الدوليين، مع الالتزام بقواعد القانون الدولي والمعاهدات والمواثيق الدولية واحترامها، وبناء علاقات ودية تخدم المصالح المشتركة مع دول العالم تقوم على الاحترام المتبادل وعدم التدخل في الشؤون الداخلية وذلك في إطار خدمة مصالح الوطن وحمايته والحفاظ على سلامة أراضيه واستقراره ونماءه، ورعاية مصالح المواطنين، وإعلاء شأن المملكة ومكانتها في العالم. ولفت النظر إلى أن السياسة الخارجية للمملكة تحرص دائماً على العمل الجماعي الفعال، في مختلف أطرها الخليجية والعربية والإسلامية والدولية. وتسعى بجدية إلى تطوير آليات العمل المشترك، سواء من خلال الدعوة إلى الاتحاد الخليجي الذي يمكن دول مجلس التعاون من مواجهة التحديات والتغيرات الإقليمية والعالمية، وتقوية شوكتهم في الدفاع عن مصالحهم ومصالح أشقائها في العالم العربي والإسلامي. ناهيك عن المساهمة في إصلاح جامعة الدول العربية، وتعزيز دور منظمة التعاون الإسلامي، والدعوة إلى تطوير هياكل الأممالمتحدة وإصلاح مجلس الأمن. وقال الفيصل، إن "العمل بموجب هذه الثوابت، في سياق تحقيق سياسة المملكة الخارجية، يحتم على وزارة الخارجية مواكبة متطلبات التغيير والتجديد في أسلوب وطريقة أدائها للمهام المناطة بها، وعلى النحو الذي يحاكي لغة العصر ويتعامل مع أساليبه، ويمكنها من مواجهة الأعباء والمسؤوليات المتعاظمة الملقاة على عاتقها، في ظل ما يشهده العالم من تحول من الديبلوماسية التقليدية المحدودة بين الدول والحكومات إلى ما اصطلح على تسميته بالديبلوماسية الشاملة. استدعى هذا الأمر من جهاز الوزارة أن يتعامل مع سياسة التطوير بأسلوب منهجي، ووفق منظور استراتيجي من كافة جوانبه الهيكلية والتنظيمية، كان للعنصر البشري النصيب الأوفر في عملية التغيير من خلال العمل على التطوير النوعي والعددي للموارد البشرية، وإعادة النظر بشكل جذري في طرق استقطاب وتأهيل وتدريب هذه الكوادر، وكمثال على ذلك، وتقديراً لأهمية دور المرأة السعودية، فإن الوزارة أتاحت لها إمكان الدخول إلى عالم الديبلوماسية على أساس اعتبارات الجدارة والمؤهل والمستوى الثقافي، ليرتفع عدد الموظفات من 60 موظفة العام 1429ه إلى 284 موظفة العام 1435ه، أي بزيادة فاقت أربعة أضعاف العدد. وفي مجال التطوير التنظيمي أوضح الفيصل أنه تم إعادة هيكلة كافة الأجهزة في الديوان العام للوزارة، كما هو الحال بالنسبة لبعثات المملكة في الخارج والتي ازداد عددها إلى 120 بعثة تغطي علاقات المملكة مع عدد 134 دولة شاملة للتمثيل غير المقيم. والوفود الدائمة لدى المنظمات الدولية وذلك من منظور الديبلوماسية الشاملة. وأضاف: "شكل التحول للعمل الإلكتروني العمود الفقري لتعاملات الوزارة، داخلياً على مسار سير العمل، وخارجياً على مسار الخدمات التي تقدمها والتي بلغت حتى الآن 82 خدمة إلكترونية، مفصلة في التقرير الذي بين أيديكم". وفي مجال الدراسات والأبحاث، أشار الفيصل إلى أنها عملية يتعين عليها أن تشمل معهد الدراسات الديبلوماسية وهو الجهاز المختص بإعداد الدراسات والبحوث، والمعني بتطوير المهارات والقدرات لموظفي الوزارة وغيرهم من موظفي الدولة الذين يعملون في الخارج. واختتم وزير الخارجية السعودي كلمته مقدماً شكره وتقديره لرئيس المجلس وأعضاء المجلس على طلبهم لحضوره، معرباً عن أمله في استمرار التواصل والحوار بين وزارة الخارجية والمجلس، وذلك "في ظل سعينا سوّياً نحو تحقيق الهدف الأسمى في خدمة ديننا الحنيف والوطن والمواطن".