ربما يطل صباح اليوم الثاني للعيد ورب الأسرة عاجز عن توفير أضحية للأفواه التي اعتادت على هذه «السنة المؤكدة»، وربما تقف «جيوب الثوب» و«حصالة الشهر» هذه المرة كحاجز واحد صلب من دون أن تمر على المائدة «لحمة طازجة» تُحْسَب في عداد الترف المعيشي، وتضفي على الوجوه الباسمة المندهشة عيداً مختلفاً كحال الجار والقريب. قفزت أسعار الأضاحي قفزاً هائلاً لم يُوَاجَه إلا بالاستسلام لمن أسعفه الحال، والصبر لفئة تكاد تنضم للائحة الفقر، تلك التي لم تكن يوماً من الأيام عيباً، ولكن العيب فيمن يغض الطرف عنها وكأنه قارئ لمستقبله ضامن له. نحضر «أضحية العيد» دون أن نتذكر مثل هذه الأسر إلا في ما تبقى من حاصل قسمة الضحية وتوزيعها على الأقارب والأصدقاء والأحباب والهدايا المتبادلة! قلت في مطلع المقالة «ربما»، ولكن «ربما» هذه تكون الوحيدة القابلة لأن تتحول لصيغة تأكيد نافذة، والتفاتة للوجوه التي فضلت الغياب صباح العيد أو الاعتذار بالمرض أو البرد تغني عن ألف «ربما»، فهي تخفي شيئاً جارحاً بالداخل ومعه التردد المحير من دون معرفة الحل أو إطلالة كريم في أيهما يختار: الاستدانة وسكب ماء الوجه من أجل أضحية، لكيلا يحسب في التقسيم الاجتماعي في خانة الفقراء أو تجاوز العيد الأول بلا أضحية لقلة ذات اليد. التقسيم الاجتماعي وحده فيه من الجروح ما يكفي، لأن صغارنا استقوا جملهم ونظراتهم وحديثهم من أفواه الكبار، حين احتفظوا بجمل الضعف، ونظرات الاحتقار، وحديث الواثقين من الزمن لكل من يشاهد في مستوى أقل أو ابتسامة أضعف. ماذا يفعل موظف متواضع يقطر له الراتب الشهري ب2000 ريال فيسحبها كاملة ويتفق مع الأم الطيبة على تقسيمها بما لا يترك للجوع منفذاً وللحياة توقفاً؟ وماذا سيجيب أب الأسرة عن سؤال أبنائه الصغار حين يُلْسَعُ بسؤالهم الحارق: لماذا لم نشاهد بهذا العيد لحماً وفرحاً؟ وكيف يراوغ بهم عن ألم الإجابة وهو الذي اعتاد أن يضع لهم هذا الترف ظهيرة كل «عيد حج» على مائدتهم المتواضعة! نذهب بثلث الصدقة في ما يشبه تبادل الأكياس، ولا نلتفت للمحتاج الحقيقي أو المسكين الفعلي إلا بكلمات العيد الشفهية الدارجة، التي يسمعها عارية مجردة من كل مضامين العيد، فقد يحرجنا زيادة عدد المقربين من الأحباب، فنضع أيدينا على ثلث الصدقة ونوزعه لهم، وفق الأكثر في عدد الأفراد، ولضعف حماستنا المعتادة في البحث عمن تشكل له هذه «القسمة» عيداً مختلفاً يحول إلى أكثر من وجبة حتى وأن لم تُشْبِع. يتكرر ويتواصل الحديث عن أهمية الأضحية والاقتداء بسنته وتنادي الأصوات بها، ولكن لم أسمع صوتاً يتحدث عن أن الحكمة منها إدخال الفرح على الأسرة والتقارب مع الفقراء والمساكين والتكافل مع المسلمين، ولا حتى الوقوف النفسي مع من لم يتمكن من إحضارها للعيد، وها هو ذا الصباح الثاني والعيد الأول لأسر جديدة تعيش بلا أضحية، لأنها باتت تقطع الراتب بالكامل أو نصفه، ونحن نكتفي معهم ب... «عَادَ عِيْدُكُم»! [email protected]