اسفرت خطوة نائب الرئيس العراقي طارق الهاشمي بنقض قانون الانتخابات عن اضعاف مواقع العرب السنة بدلا من تعزيزها وعودة الحديث عن المكونات, ما ينعكس سلبا على العملية السياسية في ظل بقاء المحاصصة عاملا دائما وليس مرحلة انتقالية في تاريخ البلاد الحديث. ويقول استاذ العلوم السياسية في جامعة بغداد حميد فاضل: "الهاشمي اخطأ بطرحه هذا وباتت العملية السياسية في وضع لم تواجهه سابقا حتى مع الارهاب وتحدياته واشكالياته". ويضيف "من المفترض ان تكون العملية السياسية استقرت في مسارها الدستوري والقانوني بعد ست سنوات" من اسقاط النظام السابق، "لكن نقض الهاشمي كان مؤشراً على عودة الخطاب الفئوي والطائفي مجددا وبقوة وهذا يشكل خطرا على العراق". ويرى فاضل ان "الديموقراطية التوافقية مشروطة بمرحلة زمنية انتقالية، لكن للاسف اصبح العرف اقوى من الدستور وهذا تكرار واستنساخ لتجربة لبنان في هذا المجال"، وأن "هذه الحالة تؤكد حقيقة ان قدر العراق أن يعيش في ظل المحاصصة والطائفية ولن ننجح في ارساء الديموقراطية", لافتاً الى ان "البلاد عادت الى اجواء العام 2005"، في اشارة الى التجاذبات الطائفية التي طغت على العملية السياسية آنذاك. واقر مجلس النواب الاثنين تعديلات على قانون الانتخابات لرفعه الى هيئة الرئاسة للمصادقة عليه او نقضه مرة اخرى. وعبّر الاكراد عن ارتياحهم للتعديلات, في حين اعلن نواب العرب السنة عن استيائهم لكونها تنتزع ما لا يقل عن 12 مقعداً من حصتهم، وخصوصا في محافظة نينوى لصالح الاكراد الذين كانوا هددوا بمقاطعة الانتخابات اذا لم تتم اعادة النظر في توزيع المقاعد على المحافظات. واقر الهاشمي ان التعديلات تشكل "اجحافا اكثر من النسخة الاولى", ملمحا الى احتمال ممارسته النقض مجددا. وتلحظ التعديلات الجديدة اضافة نسبة 2.8 بالمئة لكل محافظة كمعدل للنمو السكاني استنادا الى احصاء العام 2005. كما تنص على ان يدلي العراقيون باصواتهم اينما كانوا لصالح مرشحي محافظاتهم. بدوره, قال الخبير في الشؤون العراقية ابراهيم الصميدعي ان "الاكراد استفادوا من النقض فحصلوا على ما كانوا يطالبون به (...) فما حدث يشكل ضربة قوية والتوافق السياسي خرج خاسرا" في العراق. واضاف "لا بد من التمهل في هذه المرحلة نظرا لانعكاستها المستقبلية على الاوضاع السياسية" في البلاد. وكانت المفوضية العليا المستقلة للانتخابات اكدت ان المحافظات العربية السنية حققت النسبة الاعلى من المقاعد في القانون الجديد مقارنة مع مثيلاتها. وفي هذا السياق, حمل رشيد العزاوي النائب عن الحزب الاسلامي, الهاشمي مسؤولية فقدان محافظات العرب السنة عددا من مقاعدها. يذكر ان الهاشمي كان امينا عاما للحزب قبل انسحابه من صفوفه وتنديده بالاحزاب الدينية. وقال العزاوي ان "النقض كان غير صحيح وطلبنا من الهاشمي ان يسحبه لانه سيتسبب بمشاكل كبيرة وهذا ما حدث". وطالب "بألا ينقض الهاشمي القانون مرة اخرى وعليه ان يخرج بشجاعة ليعتذر للمحافظات التي غبنت مقاعدها". وكان النائب عن الموصل اسامة النجيفي اكد ان التعديلات "محاولة لسرقة مقاعد محافظات نينوى وكركوك وصلاح الدين واعطائها الى المحافظات الشمالية (الكردية) بصورة غير مشروعة". فقد خصص قانون الانتخابات في نسخته الاولى 38 مقعدا للمحافظات الكردية الثلاث (اربيل والسليمانية ودهوك) بينما كان قانون العام 2005 خصص لهم 57 مقعدا. وقد طالب الهاشمي بزيادة عدد المقاعد التعويضية المخصصة للاقليات والمقيمين في الخارج والقوائم الانتخابية الصغيرة من 5% الى 15% في البرلمان المقبل الذي سيضم 323 نائبا. والمقاعد التعويضية مخصصة لتمثيل افضل للعراقيين المقيمين في الخارج والقوائم التي حصلت على نسبة تصويت عالية محليا وليس على الصعيد الوطني. والانتخابات المزمع اجراؤها ستكون ثاني عملية اقتراع منذ الاجتياح الذي قادته الولاياتالمتحدة ربيع 2003 واطاح بنظام الرئيس الاسبق صدام حسين. ويؤكد الدستور ضرورة ان يتخذ مجلس الرئاسة المكون من الرئيس جلال طالباني ونائبيه عادل عبد المهدي والهاشمي قراراته ب"الاجماع" وليس بالغالبية. وكانت المفوضية العليا حددت 16 كانون الثاني/يناير 2010 موعدا للانتخابات التشريعية, لكن التأجيل المتكرر لاقرار القانون وممارسة حق النقض جعلا اجراءها في موعدها غير ممكن. ويتعين على مجلس الرئاسة الموافقة على القانون او رفضه خلال 15 يوما من اقراره. وبالامكان نقض القانون مرتين فقط, واعادته الى مجلس النواب الذي يستطيع تمريره بموافقة ثلاثة اخماس النواب, اي 165 من اصل 275 نائبا. ___________ * اسعد عبود