أسعار النفط تستقر عند أعلى مستوى في أسبوعين    تحديات "الصناعة والتعدين" على طاولة الخريف بهيئة الصحفيين السعوديين بمكة اليوم    القيادة تهنئ رئيس جمهورية سورينام بذكرى استقلال بلاده    استمرار هطول الأمطار على معظم مناطق المملكة    مدينة الأمير عبدالله بن جلوي الرياضية تستضيف ختام منافسات الدرفت    البريد السعودي يصدر طابعاً بريدياً بمناسبة اليوم العالمي للطفل    أمير الشرقية يفتتح أعمال مؤتمر الفن الإسلامي بنسخته الثانية في مركز "إثراء"    الدفاع المدني يحذر من الاقتراب من تجمعات السيول وعبور الأودية    الاتحاد يخطف صدارة «روشن»    دربي حائل يسرق الأضواء.. والفيصلي يقابل الصفا    تهديدات قانونية تلاحق نتنياهو.. ومحاكمة في قضية الرشوة    لبنان: اشتداد قصف الجنوب.. وتسارع العملية البرية في الخيام    مذكرة تفاهم بين إمارة القصيم ومحمية تركي بن عبدالله    بركان دوكونو في إندونيسيا يقذف عمود رماد يصل إلى 3000 متر    «التراث» تفتتح الأسبوع السعودي الدولي للحِرف اليدوية بالرياض    المنتدى السعودي للإعلام يفتح باب التسجيل في جائزته السنوية    جامعة الملك عبدالعزيز تحقق المركز ال32 عالميًا    «العقاري»: إيداع 1.19 مليار ريال لمستفيدي «سكني» في نوفمبر    16.8 % ارتفاع صادرات السعودية غير النفطية في الربع الثالث    «التعليم»: السماح بنقل معلمي العقود المكانية داخل نطاق الإدارات    لندن تتصدر حوادث سرقات الهواتف المحمولة عالمياً    صفعة لتاريخ عمرو دياب.. معجب في مواجهة الهضبة «من يكسب» ؟    «الإحصاء» قرعت جرس الإنذار: 40 % ارتفاع معدلات السمنة.. و«طبيب أسرة» يحذر    5 فوائد رائعة لشاي الماتشا    في الجولة الخامسة من دوري أبطال آسيا للنخبة.. الأهلي ضيفًا على العين.. والنصر على الغرافة    في الجولة 11 من دوري يلو.. ديربي ساخن في حائل.. والنجمة يواجه الحزم    السجل العقاري: بدء تسجيل 227,778 قطعة في الشرقية    السودان.. في زمن النسيان    لبنان.. بين فيليب حبيب وهوكشتاين !    مصر: انهيار صخري ينهي حياة 5 بمحافظة الوادي الجديد    «واتساب» يغير طريقة إظهار شريط التفاعلات    اقتراحات لمرور جدة حول حالات الازدحام الخانقة    أمير نجران: القيادة حريصة على الاهتمام بقطاع التعليم    أمر ملكي بتعيين 125 عضواً بمرتبة مُلازم بالنيابة العامة    ترحيب عربي بقرار المحكمة الجنائية الصادر باعتقال نتنياهو    تحت رعاية سمو ولي العهد .. المملكة تستضيف مؤتمر الاستثمار العالمي.. تسخير التحول الرقمي والنمو المستدام بتوسيع فرص الاستثمار    محافظ جدة يطلع على خطط خدمة الاستثمار التعديني    الإنجاز الأهم وزهو التكريم    نهاية الطفرة الصينية !    أسبوع الحرف اليدوية    مايك تايسون، وشجاعة السعي وراء ما تؤمن بأنه صحيح    ال«ثريد» من جديد    الأهل والأقارب أولاً    اطلعوا على مراحل طباعة المصحف الشريف.. ضيوف برنامج خادم الحرمين للعمرة يزورون المواقع التاريخية    أمير المنطقة الشرقية يرعى ملتقى "الممارسات الوقفية 2024"    «كل البيعة خربانة»    مشاكل اللاعب السعودي!!    انطلق بلا قيود    تحت رعاية خادم الحرمين الشريفين ونيابة عنه.. أمير الرياض يفتتح فعاليات المؤتمر الدولي للتوائم الملتصقة    مسؤولة سويدية تخاف من الموز    السلفية والسلفية المعاصرة    دمتم مترابطين مثل الجسد الواحد    شفاعة ⁧‫أمير الحدود الشمالية‬⁩ تُثمر عن عتق رقبة مواطن من القصاص    أمير الرياض يكلف الغملاس محافظا للمزاحمية    اكثر من مائة رياضيا يتنافسون في بطولة بادل بجازان    محمية الأمير محمد بن سلمان تكتشف نوعاً جديداً من الخفافيش    "الحياة الفطرية" تطلق 26 كائنًا مهددًا بالانقراض في متنزه السودة    قرار التعليم رسم البسمة على محيا المعلمين والمعلمات    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تأويل «الضرب» في القرآن
نشر في الحياة يوم 25 - 11 - 2009

تحدثت في المقال السابق عن مفهوم ضرب المرأة في الإسلام، مبيناً المحظورات التي أحاطت بها والحيثيات التي جاءت فيها، وما ذلك إلا لتأكيد أن هذه الوسيلة التي أجازها الإسلام رخصة أشبه بالحظر. كما قال الإمام محمد عبده، وفسرها ابن عباس بالضرب بالسواك أو نحوه، قد أساء المسلمون – للأسف – فهمها وتوسعوا في تطبيقها بما أملته عليهم مخيلتهم المليئة بكل أشكال العنف والاضطهاد ضد المرأة.
وما دام كثير من الناس يظلمون نساءهم بقدر الاستطاعة، ولم تردعهم النصوص الإسلامية عن هذا الظلم، فإن من الواجب على ولاة الأمر اتخاذ القوانين والإجراءات التي تحول دون إلحاق الأذى بالمرأة وتعدي الحدود الشرعية، ليس من أجل حماية المرأة وحفظ كرامتها وإنسانيتها فحسب، بل أيضاً من أجل الدفاع عن الإسلام ودرء التضليل والتشويه الذي يلحقه هؤلاء بالإسلام، عندما ينسبون تصرفاتهم الظالمة إليه، وهو ما يعد صداً عن سبيل الله، وقد أدرك بعض العلماء المجتهدين خطورة مثل هذا الأمر، ودعوا إلى ضرورة وضع حدّ له، مستندين في ذلك إلى أحكام الشريعة السمحة ومقاصدها الكلية». يقول العلامة ابن عاشور في تفسيره للآية (واللاتي تخافون نشوزهن): «يجوز لولاة الأمور، إذا علموا أن الأزواج لا يحسنون وضع العقوبات الشرعية مواضعها، ولا يقفون عند حدودها، أن يضربوا على أيديهم، ويعلنوا أن من ضرب امرأته عوقب، كي لا يتفاقم أمر الإضرار بين الأزواج، لا سيما عند ضعف الوازع».
وقد جاء استدلال ابن عاشور المقاصدي لهذا الحكم في أمرين: الأول هو مقصد الشارع، القاضي بحفظ النفوس، ومنها نفوس النساء من كل اعتداء نفسي أو جسدي. والآخر «وهو الأصل في قواعد الشريعة» عدم قضاء أحد بنفسه إلا لضرورة.
وعلى هذا الأساس جاء اجتهاد الدكتور عبدالحميد أبو سليمان في قضية ضرب المرأة الذي ورد في القرآن الكريم وخلص إلى نتيجة لم يسبقه إليها أحد من العلماء قديماً أو حديثاً. فقد بدأ بإحصاء وجوه المعاني الذي جاء فيها لفظ «الضرب» ومشتقاته في القرآن الكريم التي وجدها، كما قال: على سبعة عشر وجهاً تحوي جملة معانٍ للفعل «ضرب» بصيغته المتعدية المباشرة وغير المتعدية، وهي استخدامات مجازية فيها معنى العزل، والمفارقة، والإبعاد، والترك، وحول المعنى المناسب لكلمة الضرب في سياق معنى النزاع بين الزوجين، واستعادة روح المودة والتواصل بينهما.
يرى أبو سليمان أننا «إذا أخذنا في الاعتبار طبيعة السياق، وطبيعة الحال، والغاية من الترتيبات في الإصلاح والتوفيق، وإذا أخذنا في الاعتبار قيم الإسلام في تكريم الإنسان وحفظ كرامته وحقه في تقرير مصيره، وإذا أخذنا في الاعتبار العلاقة الزوجية الاختيارية، وإمكان طرفي العلاقة الزوجية في إنهائها إذا لم يقتنعا بها، ولم يرعَ أحد منهما حقوق الآخر فيها، وأنه لا مجال لإرغام أي طرف منهما أو قهره عليها، أدركنا أن المعنى المقصود من الضرب لا يمكن أن يكون الإيلام والمهانة، وأن الأولى هو المعنى الأعم الذي انتظم عامة معاني كلمة «الضرب» في السياق القرآني وهو البعد والترك والمفارقة، وذلك أن بعد الزوج عن الزوجة وهجرها وهجر دارها كلية من طبيعة الترتيبات المطلوبة لترشيد العلاقة الزوجية، ولأن ذلك هو خطوة أبعد من مجرد الهجر في المضجع؛ لأن مفارقة الزوج وترك منزل الزوجة والبعد الكامل عنها وعن دارها، يضع المرأة، وبشكل مجسد محسوس أمام آثار التمرد والعصيان والصراع مع الزوج وهو الفراق والطلاق، وهذه الخطوة المحسوسة الملموسة تعطي المرأة الفرصة الكاملة أن ترى وتحس وتتمعن في آثار نشوزها ونتائج سلوكها وهل حسبت كامل آثاره ونتائجه، أم أنها نزوة جهالة وعناد؟ علها تعود عنها إلى رشدها وتعيد زوجها إلى دارها قبل فوات الأوان».
وقوَّى الدكتور أبو سليمان حجية اجتهاده هنا بالسنة النبوية الفعلية، إذ استند إلى ما ذكرته كتب الحديث والسيرة النبوية من مفارقة رسول الله «بيوت زوجاته، حين نشب بينه وبينهن الخلاف، ولم يتعظن وأصررن على عصيانهن وتمردهن رغبة في شيء من رغد العيش؛ فلجأ رسول الله» إلى المشربة شهراً كاملاً تاركاً ومفارقاً لزوجاته ومنازلهن، مخيراً إياهن، بعدها، بين طاعته والرضا بالعيش معه على ما يرتضيه من العيش، وإلا انصرف عنهن وطلقهن في إحسان.
وهو «لم يتعرض لأي واحدة منهن خلال ذلك بأي لون من ألوان الأذى الجسدي أو اللطم أو المهانة بأي صورة من الصور. ولو كان الضرب، بمعنى الأذى الجسدي والنفسي، أمراً إلهياً ودواء ناجعاً، لكان أول من يبادر إليه ويفعل ويطيع».
وهكذا يخلص الدكتور أبو سليمان إلى «أن المعنى المقصود بالضرب في السياق القرآني بشأن ترتيبات إصلاح العلاقة الزوجية إذا أصابها عطب ونفرة وعصيان هو مفارقة الزوج زوجته، وترك دار الزوجية والبعد الكامل عن الدار، كوسيلة أخيرة لتمكين الزوجة من إدراك مآل سلوك النفرة والنشوز والتقصير في حقوق الزوجية، ليوضح لها أن ذلك لا بد أن ينتهي إلى الفراق والطلاق وكل ما يترتب عليه من آثار خطرة، خصوصاً لو كان هناك بينهما أطفال. إن معنى الترك والمفارقة أولى هنا من معنى الضرب بمعنى الإيلام والأذى الجسدي والقهر والإذلال النفسي، لأن ذلك ليس من طبيعة العلاقة الزوجية الكريمة، ولا من طبيعة علاقة الكرامة الإنسانية وليس سبيلاً مفهوماً إلى تحقيق المودة والرحمة والولاء بين الأزواج، خصوصاً في هذا العصر وثقافته ومداركه وإمكاناته ومداخل نفوس شبابه، ولأن هذا المعنى كما رأينا تؤيده السنة النبوية الفعلية كوسيلة نفسية فعالة لتحقيق أهداف الإسلام ومقاصده في بناء الأسرة على المودة والرحمة والعفة والأمن، ومحضناً أميناً على تربية النشء روحياً ونفسياً ووجدانياً ومعرفياً على أفضل الوجوه لتحقيق السعادة وحمل الرسالة».
ولا شك أن هذا التفسير الجديد لضرب المرأة، وإن كانت النساء سترحب به كثيراً، إلا أن قبوله لدى عامة المسلمين «الرجال» وحتى علمائهم لا يزال دونه خرط القتاد!! ليس فقط لأن كثيراً من الناس سيرى أنه ينتزع منه إحدى خصائصه الرجولية. وحقوقه في تأديب امرأته، وإنما أيضاً لأنه جاء بتفسير جديد لهذه الآية يخالف ما هو شائع من معنى الكلمة لدى المسلمين، ولم يقل بمثل هذا التفسير أحد من علماء المسلمين وفقهائهم عبر العصور، وهو ما يعني أن هذا التفسير سيقابل بالرفض أو بالتجاهل حتى من علماء المسلمين، بل من كثير من دعاة الاجتهاد أيضاً!! ذلك أن لدى المسلمين عموماً حساسية كبيرة من أي اجتهاد جديد، خصوصاً إذا كان يخالف ما قررته المذاهب الإسلامية السائدة في العالم الإسلامي، وعلماء السلف على رغم الدعوات المتكررة إلى ضرورة الاجتهاد ونبذ التقليد.
وما دام الأمر كذلك، فإن أقل ما تطالب به المرأة المسلمة اليوم وكل المهتمين بقضايا المرأة وحقوق الإنسان وسمعة الإسلام في العالم، هو التقيد بآراء السلف الصالح والأئمة المعتبرين في قضية ضرب المرأة وبما بينه حبر هذه الأمة ابن عباس «بأن يكون الضرب بالسواك أو ما شابهه، أي استبعاد الأذى النفسي والجسدي ضد المرأة كما يفهمه ويطبقه كثير من المسلمين». وأن يتخذ ولاة الأمر الإجراءات التي تمنع الأزواج الذين يسيئون فهم وتطبيق هذه القضايا الشرعية من الاعتداء على المرأة حفظاً لكرامتها وإنسانيتها، وحتى لا يظل كثير من المسلمين بمن فيهم بعض العلماء والدعاة، للأسف، يروجون لآرائهم المتحجرة، وعقدهم النفسية، وخلفياتهم القبلية ضد المرأة باسم الإسلام، فيصدون الناس عنه، ويشوهون تعاليمه السمحة في الوقت الذي يحسبون أنهم يحسنون صنعاً.
* باحث في الشؤون الإسلامية


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.