تزامنت الإجراءات والخطوات الجادة التي اتخذتها قمة مجموعة العشرين (الأخيرة)، مع حديث وتفكير جادين يتعلقان بكيفية تفادي حدوث أزمة عالمية مماثلة. ووردت في قرارات «المجموعة»، إشارات واضحة إلى أن العالم يميل إلى إيجاد معايير محاسبية مناسبة، تعاضد في شكل كبير الحيلولة دون تكرار حدوث أزمات مال مماثلة للأزمة الحالية، فأكدت قرارات القمة، أن الإجراءات الخاصة بتفادي أزمات في المستقبل، تشمل إصلاح نظام الرقابة المالية وتطوير المعايير المحاسبية وتحسين مستوى النزاهة والشفافية في الأسواق. وأبدت مجموعة العشرين في قمة لندن، تصميمها على تعزيز تعاونها لإعادة إطلاق النمو العالمي وإصلاح النظام المالي، وأكدت تبنّي خطة تحركات ملموسة ومحددة لاستعادة الثقة بالأسواق، على أن تطبق هذه الخطة في كل دولة منفردة، وفق أنظمتها وما يتناسب مع أسواقها، ويشمل ذلك المعايير المحاسبية، بحيث أن الحديث ينصب حالياً على إيجاد معايير محاسبية دولية موحدة، مع وجود معايير وطنية مماثلة تتناول التفاصيل. وتشير التوجهات كافّةً إلى وجود رغبة عالمية في إيجاد صيغة عالمية للمعايير المحاسبية. ويوضح خبراء في هذا المجال أن المطبق حالياً في العالم، هو المعايير المحاسبية الدولية (IFRS) والمعايير المحاسبية الأميركية، وتتبنى دولٌ معايير وطنية مشتقة من المعايير الدولية والأميركية. إن التفاوت في استخدام المعايير المطبقة في الشركات العالمية، يجعل من الصعوبة وضع مقارنات لمتخذي القرار الاستثماري، بخاصة مؤسسات المال (الممولون). ويوجد ضغط من مؤسسات المال العالمية وأسواق المال العالمية، لتوحيد المعايير المحاسبية ليتسنى لها تمويل الشركات حول العالم وفق رؤية واضحة. لذلك، تُنظم اجتماعات حالياً وتتكثّف، بين مجلس معايير المحاسبة الدولي ونظيره الأميركي لتوحيد معيار الإيرادات، وهو أهم معيار في الشركات وذات صلة مباشرة بتفسيرات أزمة المال العالمية، فيؤيد الأميركيون المعايير المحاسبية ذات الصبغة العالمية، وربما يحدث هذا عام2010، بحيث يتفق معظم الدول على وجوب اعتماد معيار دولي عام ومعيار محلي لكل دولة يحكم التفاصيل. وتضمنت خطط الإنعاش الاقتصادية الأميركية اقتراحات محددة لإصلاح المعايير المحاسبية، ويشير خبراء إلى أن تطبيق المعيار المحاسبي الأميركي 157 والمتعلق بالقياس بالقيمة العادلة (يعادل المعيار المحاسبي الدولي 39)، يعتبر من أسباب الأزمة بخاصةٍ في ظل شكوك حول إساءة تطبيق المعيار. وعليه تضمنت خطط الإنعاش قسمين 132 و 133 يتعلقان بمحاسبة القيمة العادلة حيث ينص القسم 132 «على هيئة الأوراق المالية أن تملك صلاحية تعليق تطبيق المعيار 157 لأي شركة مصدرة للأوراق المالية إذا رأت أن ذلك يصب في المصلحة العامة ويحمي المستثمرين». وينص القسم 133 « أنه يتوجب على هيئة الأوراق المالية إجراء دراسة حول المعايير المحاسبية المتعلقة بالقيمة العادلة ويتوجب عليها تقديم تقريرها إلى مجلس الشيوخ خلال فترة 90 يوماً تبدأ من تاريخ إقرار الخطة، بحيث تتضمن الدراسة: أثر المعيار على موازنة المؤسسات المالية، أثر تلك المحاسبة على البنوك التي أفلست خلال 2008، أثر المعيار على نوعية المعلومات المالية المتاحة للمستثمرين، الطريقة التي يقوم من خلالها مجلس معايير المحاسبة المالية بتطوير المعايير المحاسبية، مدى إمكان إجراء التعديلات على المعيار، والمعايير المحاسبية البديلة للمعيار المحاسبي رقم 157». وتتفاوت الإجراءات التي تتخذها الدول الصناعية حول هذا الموضوع من حيث الصيغ والخطوات، إلا أنها في النهاية تصب في الهدف ذاته الذي تتطلع إليه الأسواق والمستثمرون ومؤسسات المال. وعليه، ندعو المرجعيات المحاسبية في الوطن العربي كافّةً، إلى المشاركة في هذه الحوارات والاندماج معها، انسجاماً مع الدور الذي بدأت تأخذه الدول الناشئة في إعادة صوغ أسس النظام الاقتصادي والمالي العالمي، خصوصاً أن الكثير من الدول العربية، وبالتالي مؤسساتها المالية والشركات العاملة فيها، باتت منفتحة على العالم، ولديها أنشطة وتواجد ومعاملات حول العالم، ولا بد من أن تواكبها وتتهيأ لها، وهي إحدى المهام الحيوية التي يأخذها اتحاد المصارف العربية على عاتقه خلال المرحلة المقبلة. * رئيس اتحاد المصارف العربية