في مقابل تحذير حكومة نتانياهو، عبر نائب الرئيس الأميركي جو بايدن، عن عواقب أي هجوم عسكري قد تشنه إسرائيل على مواقع نووية إيرانية، وأظهرت المحادثات التي أجراها رئيس الأركان الإسرائيلي غابي أشكنازي مع المسؤولين والضباط الأميركيين أن ثمة اعترافا في أوساط البنتاغون ومجلس الأمن القومي بارتفاع منسوب خطر المشروع النووي الإيراني إلى جانب المشروع النووي الكوري الشمالي ونظام الانتشار النووي في العالم التي تعتبر كلها أكبر وزنا من الثمن المتوقع لعملية عسكرية إسرائيلية ضد إيران، فيما بعث عدد من الزعماء الديموقراطيين المؤيّدين لإسرائيل في مجلس النواب الأميركي برسالة إلى الرئيس أوباما، طالبوا فيها بأن تكون المحادثات المقبلة مع إيران «جدية وذات صدقية» وغير مفتوحة الأجل. وإذا ما أخفقت في التوصل إلى نتائج سريعة، فإن على أوباما فرض مجموعة من العقوبات ضد إيران، من بينها فرض عقوبات على المصرف المركزي، وعلى المصارف الدولية التي تتعامل مع المصارف الإيرانية، وحرمان شركات الشحن التي تتعامل مع طهران من حرية الوصول إلى الموانئ الأميركية، إضافة إلى فرض عقوبات على شركات التأمين التي تتعامل مع الشحن الإيراني، وفرض عقوبات على شركات الطاقة التي تستثمر في قطاع الغاز والنفط في إيران. هذا الموقف الرجراج الذي يفصح بوضوح عن عدم نضج الخيارات الأميركية التي يمكن أن تعتمدها إدارة أوباما تجاه إيران، كان قد انسحب على تقديرات البنتاغون حيال واقع قدرة إيران النووية، وإمكانيات امتلاك السلاح النووي في المستقبل. ففي حين أعرب رئيس هيئة الأركان المشتركة للجيش الأميركي، الأدميرال مايك مولين، في مقابلة مع برنامج «حالة الاتحاد» الذي بثته شبكة CNN، عن اعتقاده بأن إيران لديها المواد اللازمة التي تمكنها من صنع سلاح نووي، ما ينذر ب «عواقب سيئة جدا»، سواء لمنطقة الشرق الأوسط أو العالم، وفق تقديره، اعتبر وزير الحرب روبرت غيتس، في مقابلة مع القناة ذاتها، أن إيران «ليست في وارد حيازة سلاح» نووي، موضحا أنه «تم التركيز بشكل متواصل على الطريقة التي يمكن بها حمل الإيرانيين على التخلي عن برنامج تسلح نووي. (غير) انه ليست لديهم المخزونات (الكافية) وليسوا في وارد حيازة سلاح في هذه المرحلة». في كل الأحوال، وبعيدا عن إحلال الرغبات محل الوقائع الصلدة، فإن ما يبدو طافيا على السطح هو أن الجانبين، الأميركي والإيراني، ورغم قرار كل ما سبق، يريدان، وبعد ثلاثين سنة من العداوة، طي صفحة الماضي وبدء مرحلة جديدة من العلاقات القائمة على المصالح والقواسم المشتركة، وإخضاع الخلافات المعقدة والمتراكمة للحوار الواقعي البنَاء، ولا سيما بعد اتضاح حقيقة الفشل التي منيت بها سياسة التشدد الأميركي ولغة التهديد والوعيد التي لجأت إليهما إدارة بوش إزاء إيران، ومضي طهران في تحقيق رزمة من الإنجازات الاقتصادية والعسكرية، وارتفاع منسوب الحاجة الأميركية للمساعدة الإيرانية في تحقيق الاستقرار في المنطقة، سواء في العراق وأفغانستان وباكستان، أو فيما يتصل بمقاربة الحلول المتعلقة بالصراع العربي- الإسرائيلي، وذلك على رغم أن الجهتين المتخاصمتين لا تتقاسمان وجهة النظر نفسها إزاء هذه المواضيع، ما عنى للكثير من المراقبين أن سياسات باراك أوباما حيال إيران، كما حيال العديد من الدول الأخرى وفي مقدمها روسيا، تنطوي على كثير من الجد والمراجعة. في المقابل، وعلى رغم الإشارات الإيجابية المتعددة التي أطلقها دخول الديموقراطي ذي الأصول الإفريقية باراك أوباما إلى البيت الأبيض حيال كافة الملفات الداخلية والخارجية، إلا أن الرئيس الجديد لم يستطع التغريد خارج أوركسترا المؤسسة الأميركية الرسمية التي تعوَدت، خلال العقود الثلاثة الماضية، العزف على نغمة «الإرهاب» ومحاولة «شيطنة» النظام الإيراني واتهامه، على طول الخط، بدعم «الحركات الإرهابية». ولذا كان منطقيا أن يشن أوباما هجوما على طهران، ويتهمها بعدم المساعدة في نشر السلام والرخاء في المنطقة من خلال تمويل «جماعات إرهابية» مثل «حماس» و«حزب الله»، وتبني خطاب عدائي نحو إسرائيل، والسعي إلى الحصول على سلاح نووي. ولكن تحت ظلال تجديد العروض السابق بضرورة انتهاج سياسة جديدة تجاه إيران، وتأكيده أن فريق الأمن القومي التابع للبيت الأبيض «يعكف حاليا على مراجعة السياسة المتبعة إزاء طهران، وينظر في منافذ يمكن من خلالها إقامة حوار بنَاء ومباشر»، ما يفرض على إدارته، خلال الأشهر المقبلة، إظهار القدرة على تحقيق تقدم في الانفتاح على طهران، وشراء الوقت من الإسرائيليين الذين تضع حكومتهم اليمينية الجديدة قضية «النووي الإيراني» وعلاقة طهران مع قوى المقاومة الفلسطينية واللبنانية على رأس جدول اهتماماتها، وتاليا، اتخاذ بعض القرارات الصعبة، بما فيها مدى الإصرار على تفكيك كامل البنية النووية الإيرانية، وفق ما يطالب الإسرائيليون. * كاتب فلسطيني.