الله سبحانه وتعالى فرض الحج على المسلمين ليتقوه وليسيروا في طريق التوحيد والإخلاص وحسن الخلق على ما سار عليه إبراهيم الخليل ومحمد «صلى الله عليه وسلم» وبقية الأنبياء، مجيبين لدعوتهما عليهما السلام، قال الله تعالى (وأذن في الناس بالحج يأتوك رجالاً وعلى كل ضامر يأتين من كل فج عميق). ومنذ أن صدع إبراهيم «عليه السلام» بهذا النداء لم تنقطع الجموع المؤمنة عن مكة، ملبية نداء الخليل، رافعة أصواتها بالتلبية لله والبراءة من الشرك، سالكة طريق الرحمة وحسن التعامل مع الآخرين، وقد بين الرسول «أن أفضل الجهاد حج مبرور» رواه البخاري، والحج المبرور هو الذي لا يخالطه إثم، كما قال بعض العلماء، وأذى الناس من أعظم الإثم، وما يفرق بينهم ويمزق وحدتهم ويسيء إليهم. كما أن في الحج منافع للناس من الألفة والتعارف والبيع والشراء والتعاون على الخير والإحسان إلى الناس ونشر الرحمة والألفة بينهم (ليشهدوا منافع لهم ويذكروا اسم الله في أيام معلومات على ما رزقهم من بهيمة الأنعام فكلوا منها وأطعموا البائس الفقير)، ولا شك أن هذه المنافع لا تتأتى بين الناس إلا بالاختلاط والتعارف المحدد بضوابط الشرع البعيد عن الفسوق والجدال وأذى الناس وغير ذلك مما يفرق الناس وينشر البغضاء بينهم ويبعد بعضهم عن بعض بل نصت الآية على الإطعام وهو من الرحمة والإحسان، يقول تعالى (الحج أشهر معلومات فمن فرض فيهن الحج فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج وما تفعلوا من خير يعلمه الله وتزودوا فإن خير الزاد التقوى واتقون يا أولي الألباب)، إن فعل الخير منصوص عليه شرعاً، كما تدل الآية الكريمة، كما أن الله سبحانه وتعالى حث الناس على التعارف في قوله (يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير). ولا شك أن اجتماع المسلمين في الحج فيه من التلاحم والترابط ما يعرف به بعضهم بعضاً، ويكون في هذا التعارف تواضعاً وعدم غطرسة أو كبرياء أو تكبر على الآخرين، فأكرم الناس هم المتقون والله أعلم بالعالمين... وانتشار العلم الشرعي الصحيح في حد ذاته من أهم أسباب الرحمة بين المسلمين، إذ إن التمسك بهدي النبي «صلى الله عليه وسلم» هو من أهم أسباب حسن الخلق والتعامل بين الناس وقلة الخلاف، وللعلماء دور بارز في توجيه الناس في موسم الحج، سواء من ذلك ما يتعلق بإرشاد الحجاج في مناسكه، أو ما يتعلق بأخلاقهم وتعاملهم مع الآخرين وسائر ما يساعدهم في أمور دينهم ودنياهم، وعلى الدعاة العاملين بين الحجاج أن يركزوا على تحبيب المسلمين بعضهم ببعض وتخلقهم بما يحب الله ورسوله من الرحمة بالآخرين والعطف عليهم وحسن التعامل معهم وزيادة التعاون والمحبة بينهم، كما أن على الحجاج أنفسهم واجبات عظيمة في ما بينهم سواء منهم الحجاج من داخل المملكة أو خارجها، فهي فرصتهم في مساعدة الآخرين بما يستطيعون. ولا يفوتني التذكير أننا نرى في هذا الموسم العظيم أعمال بر مختلفة يقوم بها الموسرون من أبناء هذه البلاد خاصتهم وعامتهم لسقيا الحجاج وتقديم الطعام لهم مما أنعم الله به عليهم، ما يجعل المسلم يحس بعمق بتلاحم إخوانه المسلمين ورحمتهم لبعضهم البعض وخدمة بعضهم لبعض في مثل هذا الموسم العظيم. كما أن أناساً يقدمون بأنفسهم خدمات وإحساناً للآخرين، سواء بصفتهم الفردية أو الرسمية، هي من باب الرحمة والتعاون على البر والتقوى ونشر الرحمة بين العباد، فحري بالحاج نفسه استشعار الرحمة بالآخرين والإحسان إليهم والبعد عن كل ما يؤذي الآخرين بأي شكل من الأشكال. أستاذ التاريخ الإسلامي بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية «سابقاً»