بدأ الاشتباك السياسي بين القوى الرئيسة في شأن النقاط الساخنة التي ما زالت عالقة، يتراجع تدريجاً لمصلحة تسليم هذه القوى بضرورة إحالتها على الحوار وسحبها من التداول. وهذا ما بدا واضحاً من خلال أجواء النقاشات السائدة داخل اللجنة الوزارية المكلفة برئاسة رئيس الحكومة سعد الحريري صوغ مشروع البيان الوزاري، خصوصا المقدمة السياسية والبرنامج الاقتصادي، والتي تغيب عنها حتى الساعة الصدامات السياسية. كما بدا ذلك واضحاً من أجواء اللقاء الذي عقد بين رئيس «اللقاء النيابي الديموقراطي» وليد جنبلاط وزعيم «تيار المردة» النائب سليمان فرنجية برعاية رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان، وهو الأول بينهما منذ أكثر من خمس سنوات. يضاف الى ذلك أن الاتصالات التي جرت أخيراً بين أركان الدولة أدت الى ضبط إيقاع الموقف من إجراء الانتخابات البلدية والاختيارية في موعدها المقرر في الربيع المقبل بغية وقف المزايدات التي كانت قائمة في شأن احتمال تأجيلها الى ربيع 2011. وفي هذا السياق علمت «الحياة» من مصادر سياسية رفيعة أن رئيس المجلس النيابي نبيه بري الذي بدأ يستعد لإطلاق ورشة تشريعية في البرلمان لتفعيل دوره، تطرق في اجتماعه الأسبوعي مع رئيس الجمهورية الى مسألة إجراء الانتخابات البلدية من زاوية أن هناك من يحاول تحميل مسؤولية تأجيلها الى المجلس النيابي. ونقل النواب عن بري قوله إن القرار في يدي مجلس الوزراء «ونحن في البرلمان ننتظر من الحكومة أن ترسل لنا مشروع القانون الخاص بخفض سن الاقتراع وبالتالي المشكلة ليست عندنا وفي مقدور الحكومة أن تقرر على أي قانون تريد إجراء الانتخابات». وبالنسبة الى مطالبة بري بتحريك المشروع الخاص باللامركزية الإدارية وإطلاق الهيئة الوطنية لإلغاء الطائفية السياسية وإنشاء مجلس شيوخ كما نص عليه اتفاق الطائف، علمت «الحياة» أن بري أبدى وجهة نظره في إنشاء الهيئة الوطنية في مقابل رأي آخر لعدد من النواب يقول إن الظروف السياسية الراهنة غير مواتية للبدء بتأسيسها. وبالعودة الى لقاء جنبلاط وفرنجية برعاية سليمان، أكد الأول ل «الحياة» أن رئيس الجمهورية «يقوم بكل جهد لخلق مناخ وفاقي عام في البلاد من أجل إنجاح حكومة الوفاق الوطني ومعالجة الملفات الإنمائية والاقتصادية والإنتاجية بعيداً من الانقسامات السابقة لذلك لبيت دعوته لهذا اللقاء». ورداً على سؤال قال جنبلاط: «في الأساس لم يكن من خلاف مع فرنجية لنقول إننا طوينا صفحة الماضي وفتحنا صفحة جديدة، إنما كان هناك تفاوت في وجهات النظر بعد انقطاع طويل والتقينا اليوم (أمس) وأكدنا أن الأمور الأساسية الخلافية الكبرى ستناقش في هيئة الحوار. أما بالنسبة الى الوزراء فالأفضل أن يتفرغوا للشأن المتعلق بهموم المواطن ومشكلاته». واضاف جنبلاط: «في الأساس لم أعتبر نفسي إني في خصومة مع فرنجية، والبلد انقسم في الماضي عمودياً بسبب التمديد للرئيس إميل لحود والآن انتهينا من هذا الانقسام وهناك حكومة وفاقية، والسياسة الحكيمة لرئيس الجمهورية توصلنا الى ما نتطلع إليه لتذليل العقبات الرئيسة التي ما زالت تعترضنا وتعيق عمل الحكومة الجديدة». الى ذلك واصل الحريري ترؤسه لاجتماعات اللجنة الوزارية لصوغ البيان الوزاري التي اجتمعت مساء أمس وعلى جدول أعمالها إقرار المسودة النهائية للمقدمة السياسية للبيان الوزاري وهي تقع في 4 صفحات فولسكاب على أن تتابع اجتماعاتها لمناقشة مشروع البرنامج الاقتصادي للحكومة فور انتهاء وزير الإعلام طارق متري ووزيرة المال ريا الحفار الحسن، من وضع مسودة بهذا الشأن تأخذ في الاعتبار بالملاحظات والاقتراحات التي عرضها الوزراء أعضاء اللجنة على الخطوط الاقتصادية العريضة لمشروع البيان الوزاري. وأبدى وزراء أعضاء في لجنة البيان الوزاري ارتياحهم الى «الطابع الجدي» للمناقشات، خصوصاً ما يتعلق بالشق الاقتصادي من مشروع البيان. ولاحظوا ان الحريري حرص منذ اللحظة الأولى على لعب دور فاعل في تقريب وجهات النظر لأن ما يهمه في نهاية المطاف الوصول الى بيان وزاري قابل للتنفيذ ويلتزمه الجميع ويدافعون عنه. وكان الحريري كثّف اتصالاته قبل ترؤسه مساء أمس للجنة البيان الوزاري وتشاور مع بري ورئيس «حزب الكتائب» الرئيس أمين الجميل والعماد ميشال عون وقائد «القوات اللبنانية» سمير جعجع وقيادات أخرى.