مع حلول القرن العشرين الميلادي، وفي ليلة من ليالي كانون الثاني الباردة النسمات، استطاع الأمير الشاب عبدالعزيز بن عبدالرحمن الفيصل، أن يستعيد الرياض، التي كانت في يوم من الأيام عاصمة وقاعدة لحكم آبائه وأجداده. لقد كان استرداد الرياض حدثاً غير عادي، لفت الأنظار، وقلب موازين القوى في المنطقة، وكان إيذاناً بنشأة هذه الدولة، إذ ما لبث الملك عبدالعزيز آل سعود بعد استرداد الرياض، أن انطلق ولمدة 30 سنة تالية لذلك الحدث، يجوب البلاد ويلم شعثها ويوحدها تحت راية واحدة.. ولقد كانت المناطق في شمال حائل - قبل سقوطها - وبالذات منطقة الجوف، في وضع متذبذب، إذ ظلت لسنوات طويلة في صراع مرير بين أمراء حائل وبين سلطة الشعلان، ولقد عانى أهالي المنطقة من جراء هذا الصراع وعدم الاستقرار الكثير من المتاعب والويلات، الأمر الذي جعلهم يتطلعون إلى اليوم الذي يتخلصون فيه من هذا الصراع، لينعموا بالأمن والاستقرار، فما أن ترددت الأنباء بسقوط حائل، حتى قام أهالي سكاكا يتزعمهم رجا بن مويشير بالثورة على ابن شعلان، والمناداة بضم الجوف إلى حكم ابن سعود. وتأتي هذه الدراسة لتسليط الضوء على الجهود التي بذلها الشيخ رجا بن مويشير الذي يُعد بحق أبرز رجالات منطقة الجوف في النصف الأول من القرن ال14 الهجري، بما كان له من أدوار سياسية مهمة، فهو إلى جانب أنه كان أميراً على عشيرته، فقد مارس دوراً مهماً، عندما قوّض سلطة الشعلان بالثورة عليهم وقتل منصوبهم على الجوف، ودعوة الأمير سعود الرشيد - قبل سقوط حائل - كي يضم الجوف إلى سلطته، ولأنه لا منأى لأهالي الجوف والمنطقة في الانضواء تحت لواء إحدى السلطتين، إما الشعلان أو آل الرشيد، فقد تمّ لأهل الجوف الانضواء تحت سلطة آل الرشيد. ثم إن ابن مويشير قد عاصر أحداث الملحمة التي صنعها الملك المؤسس عبدالعزيز آل سعود، بل عايش عن قُرب أحداث آخر العقد الثالث، عندما بدأت القوات السعودية تتقدم صوب حائل، لذلك عمل جاهداً على ضم الجوف إلى سلطة الملك الموحد، إذ تزعم الثورة على آل الشعلان عندما آلت إليهم الجوف مرة أخرى، بل وصعَّد التمرد - كما يقول فلبي - قبل وبعد سقوط حائل في أيدي السعوديين وأرسل أخاه حمداً على رأس وفد من أجل مقابلة الملك عبدالعزيز وإعلان رغبة أهالي الجوف بالانضمام تحت لواء الدولة السعودية الحديثة، وهذا ما تم. تتناول هذه الدراسة في فصلها الأول إلقاء نظرة مختصرة على منطقة الجوف، من حيث تاريخها وجغرافيتها، وأهم مدنها، وما تنعم به في هذا العهد الزاهر. أما في فصلها الثاني، فتتناول وبشيء من التفصيل تاريخ أُسرة آل المويشير، وما كان للعديد من أبنائها في القديم والحديث من أدوار مهمة، وما اشتهر عنهم وما عُرف من كرم وسخاء وشجاعة. وفي الفصلين الثالث والرابع من الدراسة، تناولتُ وبشيء من التفصيل حياة رجا بن مويشير، مولده ونشأته، والظروف السياسية بمنطقة الجوف في زمنه، والتي كان لها تأثير في تأدية أدواره التي قام بها، والتي أصبحت اليوم جزءاً من تاريخ المنطقة، وذات تأثير في مجرى الأحداث، ولعل من أهم الأدوار التي لعبها رجا بن مويشير، دورين مهمين هما: * قتل منصوب ابن شعلان على الجوف، وتسليم الجوف للأمير سعود بن رشيد. * الثورة على سلطة الشعلان بعد أن استعادوها، والمساهمة في ضم الجوف لسلطة الملك عبدالعزيز آل سعود. وفي الفصل الخامس تناولت سنوات الرخاء التي عاشها الشيخ رجا، وما قيل فيه من قصائد. أما السادس، فقد أفردته لتقديم أبناء وأحفاد رجا وحمد المويشير، الذين عايشوا أو سمعوا عن دور هذين الرجلين في تاريخ منطقتهم. وكان الدافع وراء إخراج هذه الدراسة إلى حيز الوجود، هو إيماني العميق بأن المليك المؤسس عبدالعزيز آل سعود، رحمه الله، بفعله وحدثه التاريخي وإيمانه الصادق، قد صنع رجالاً ساهموا معه، كلٌ بحسب استطاعته، في توحيد أجزاء هذا الوطن ولم شتاته، ثم العمل سوياً من أجل بنائه ونهضته... والشيخ رجا بن مويشير هو واحد من أولئك الذين عشقوا مليكهم المؤسس، بعد أن سمعوا عن مهمته الاستثنائية التي قام بها في الرياض، لذلك ظلوا سنوات يحدوهم الأمل والرجاء في الانضواء والانضمام إلى دولة عبدالعزيز الناشئة، فبذل الشيخ رجا وأخوه حمد كل ما في وسعهما لتحقيق حلمهما وأُمنيتهما، التي تحققت بعد توفيق الله ونصره. وكنتُ قد سمعت وقرأت من خلال قراءاتي وبحثي في تاريخنا السعودي الحديث عن الدور الذي قام به الشيخ رجا بن مويشير، لذلك رأيت الكتابة عنه، بعد أن توفرت لديّ عدد من المراجع والمصادر، وكانت لكتابات المستشرق المؤرخ عبدالله فلبي والشيخ سعد بن جنيدل دورهما الكبير في إعداد مادة الكتاب، فالمؤرخ فلبي زار الجوف، وعايش جزءاً من الأحداث ووصف الوضع في المنطقة إبان الفترة الزمنية التي تناولتها الدراسة، فكان ما سجله من مشاهدات وانطباعات خير مصدر تحدث عن تلك الفترة وعن الأحداث بشكلٍ دقيق، أما الشيخ الجنيدل فقد ألَّف كتاباً عن بلاد الجوف، وتحدث بإسهاب عن الأحداث في تلك الفترة وعن دور رجا بن مويشير، ولعل الجنيدل امتاز عن غيره في أنه حدَّد بدقة ما قام به ابن مويشير، عندما حصر ذلك في حركتين مهمتين، تناولتهما في مادة الفصل الرابع من هذا الكتاب. * كاتب ومؤرخ سعودي، والمقال من مقدمة الكتاب الصادر من دار جداول 2015.